الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتجاوز ذكريات الماضي وأستعيد حياتي من جديد؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 24 عاما، أكلمت الجامعة بكالوريوس في السنة السابقة، وما زلت أنتظر الشهادة، لكن أشعر أن وجودها وعدمها واحد، لا أرى نفسي مستعدة للوظيفة والاندماج مع الغرباء، بالرغم من أن لدي تجربة لثلاثة أشهر من العمل، لكن لم يناسبني، وتعبت جدا من الناس والبيئة، علما أني سابقا منذ سنوات عانيت من رهاب اجتماعي، والآن أشعر أنني أهدرت مال والدي في الجامعة، والذي أبعد ما يكون عن ميسور الحال، بل يجلب المال بشق الأنفس لتعليمنا وإطعامنا.

المشكلة الأساسية ليست هنا، المشكلة التي أراسلكم وأستشيركم من أجلها هي أنني أعاني منذ 9 سنوات من حالة غريبة، حاولت البحث عنها في الانترنت ولم أجد.

المشكلة هي أن الناس يعتقدون أني أتحرش بهم، فصرت أوسوس وتلقائيا وبدون رغبتي يقع بصري على المواقع الحساسة لدى الناس من كلا الجنسين، وأكثر الناس أعاني معهم هم أهلي جميعهم بلا استثناء، إنهم يلاحظون خاصة أمي وأبي وأختي التي تصغرني، لكن لا يتحدثون، أشعر بهم كلما دخلت المجلس الذي يجتمعون فيه، فأمي تعدل من جلستها، وتستر نفسها مني، وكأني رجل أجنبي.

كل ذلك بدأ بسبب معلمة في المرحلة المتوسطة الفترة التي كنت أعاني منها من الرهاب الاجتماعي، كنت وحيدة تماما، ليست لدي صديقة واحدة لمدة ثلاث سنين كاملة، وقصتي مع المعلمة ليست قصة، مجرد موقف صغير جدا، كرهتني من أجله، كانت تشرح فارتفع جزء صغير جدا من قميصها، وبان جزء صغير جدا من خصرها، وفور أن انتبهت وقع عينها علي، فانتبهت وأعطتني نظرة أحسست أنها انتبهت لي، وانزعجت مني وكرهتني، ومن يومها كرهتني، ولا تنظر إلي أبدا، وعندما أرفع يدي وأريد أن أشارك وأجيب تتجاهلني.

ومرة نادتني بأبو الهول؛ لأنني صامتة جامدة، مثل أبو الهول لا أتحرك، علما أنني كنت متفوقة، لكن تفوقي على الورق، وليس في التفاعل والمشاركة في الحصة؛ لأن استيعابي بطيء، وأنا غبية في الحقيقة وبشهادة الجميع، لكن كنت متفوقة لأنني أجتهد وأذاكر.

آسفة على الإطالة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا بكل هذا، ولا شك أن في سؤالك العديد من الجوانب والتي سنحاول الإجابة عليها وربما الربط فيما بينهما.

اسمحي لي أن أبدأ من الأخير حيث الموقف الذي حدث مع المعلمة، فالمفروض أن تكوني قد تجاوزته، حيث حدث منذ سنوات طويلة، وربما ما سأذكره عن الوسواس القهري يمكن أن يفسّر الموضوع.

يعتبر الوسواس القهري أفكارا أو أعمالا قهرية لا يرغب الشخص المصاب بممارستها، إلا أنه يجد نفسه يمارسها دون رغبة أو إرادة منه، ومنها الشكل الذي ورد في رسالتك، أنك ومن حيث لا تريدين تجدين نفسك تنظرين على المنطقة الحساسة أو الجنسية لمن يقف أمامك، وهذا عمل قهري لا تريدينه، بل على العكس تحاولين مقاومته، إلا أنه يحدث مجددا.

ولا شك أن مثل هذا السلوك يسبب الحرج الاجتماعي الشديد، وكما يحصل معك ومع أسرتك، وفي الوسواس القهري تأتيك رغما عنك فكرة وسواسية قهرية تتعلق بهذه النظرة، ولا شك أنك تحاولين دفعها بعيدا عنك، إلا أنها تستمر وتعود مجددا بالرغم من أنها مزعجة ومؤلمة بما فيها من عمل غير مقبول بالنسبة لك، وكل هذا يدخل في تعريف الأعمال الوسواسية القهرية.

ويفيد أن نذكر أن هذه النظرات الوسواسية ليست من صنعك، ولست مسؤولة عنها، فهي عمل قهري، كالذي يغسل يديه بشكل قهري لاعتقاده بأن يديه غير نظيفة، وهي غير هذا، ويفيد كذلك أن نذكر أن الأعمال الوسواسية ليست مؤشرا لأمر خطير سيحصل لك، أو لأحد أفراد أسرتك، وليست مؤشرا لقلة الأدب أو الناحية الجنسية، بالرغم من إزعاج مثل هذه النظرات.

اطمئني من أن كل ما يدور في ذهنك من هذه النظرات، وربما غيرها لم تذكريه لنا لخجلك منها، أو ارتباكك من ذكرها، كلها وساوس، لست مسؤولة عنها.

صحيح أن بعض الناس، -وخاصة ممن لم يصب بالوسواس- يجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الأمر، كأسرتك مثلا، إلا أن هذا لا يغيّر من طبيعة الأمر شيئا، ويبقى الوسواس عملا ليس من كسب الإنسان، وليس من صنعه، ويفيد لأسرتك أن يعرفوا هذا كي لا يلوموك عليها، وإنما يقفون معك.

وليس الوسواس دليلا أو مؤشرا على "الجنون" أو فقدان العقل، كما قد يشعر بعض المصابين، وإنما هو مجرد مرض نفسيّ، أو صعوبة نفسية قد تصيب الإنسان لسبب أو آخر، كما يمكن لأمراض أخرى أن تصيب أعضاء أخرى من الجسم كالصدر والكبد والكلية.

وكما أن لهذه الأمراض علاجات، فللوسواس وغيرها من الأمراض النفسية علاجات متعددة، دوائية ونفسية وسلوكية، وإن وضوح التشخيص، وفهم طبيعة الوسواس، من أول مراحل العلاج، وربما من دونه قد يستحيل العلاج، ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض الصعوبات في التشخيص عندما لا يعرف.

ويقوم العلاج على أمرين، الأول: العلاج النفسي المعرفي السلوكي، وهو عن طريق تغيير القناعات والأفكار المصاحبة للوسواس القهري، ويمكن مع هذه المعالجة المتخصصة أن تتغيّر هذه الأفكار ونستبدلها بأفكار أكثر صحة وسلامة، والجانب السلوكي، عن طريق تعريض المصاب للعمل القهري الذي يراوده، ومن ثم منعه من القيام بهذا العمل القهري، ويقوم على هذه المعالج الطبيب النفسي المتدرب على هذا النوع من العلاج، أو الأخصائي النفسي المتخصص.

والعلاج الثاني: هو لا يغني عن السابق إلا أنه يساعد كثيرا في تخفيف شدة الأعراض، ويساعد الشخص على التكيّف المناسب، وهو العلاج الدوائي بأن يصف الطبيب النفسي أحد الأدوية المضادة للأفكار والأعمال القهرية، ولا بد من متابعة هذا العلاج الدوائي مع الطبيب النفسي لأن استعمال الأدوية المضادة للاكتئاب يحتاج إلى المتابعة القريبة من قبل المتخصص.

وطالما أن تطور المرض عندك بهذا الشكل الذي وصفت فإني أنصحك بمراجعة طبيب نفسي في المدينة التي تعيشين فيها، وسيقوم هذا الطبيب بأخذ القصة كاملة، ومن ثم يمكنه أن يقوم بعد التشخيص بالعلاج المطلوب.

وأخيرا أرجو أن تعيدي النظر في الموقف من دراستك التي تعبت فيها، ولعل الحالة السابق ذكرها هي سبب هذا الموقف السلبي، وقد تتغيّر بعد العلاج.

وفقك الله وكتب لك التعافي، والنجاح في حياتك الخاصة والمهنية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً