الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من هوس الأحلام التي تراودني وأنعم بنوم هادئ؟

السؤال

السلام عليكم..

وجزاكم الله خيرا.

أصابتني شدة منذ أكثر من سنة، والحمد لله كانت هذه الشدة سببا في توبتي، كنت مقصرة في بعض الطاعات، ومبتلاة ببعض المعاصي، وردتني هذه الشدة تدريجيا إلى الله دون حتى أن أشعر وخلصتني من ذنب أرقني طويلا دون أن أبذل جهدا لذلك، فالحمد لله.

حين أتذكر حالي قبل سنة ونصف، وحالي الآن، أدرك كم خلفت هذه الشدة من خير، لكن الدنيا ضاقت بي، أحيانا أضعف وأتمنى الموت.

كثرت علي الوساوس بشكل كبير، ومنذ اشتدت علي أموري صرت أرى أحلاما كثيرة في نومي، بينما كنت في السابق أرى أحلاما بين فترة وأخرى، ولم أكن أعيرها اهتماما، ولا أسعى لتفسيرها، وكان بعضها يتحقق بعد فترة من الزمن تماما كما رأيتها، ورغم هذا لم أكن يوما مهووسة بأحلامي.

منذ الشدة التي أصابتني كثرت أحلامي، وكان بعضها واضحا أنه رؤيا من الله، كانت كلها تبشرني بفرج بعد شدة طويلة فأستأنس بها، وكان بعضها واضحا أنها ليست سوى حديث نفس، ثم صرت أرى أحلاما لا ألقي لها بالا، ثم أراها في اليوم الموالي تتحقق كما رأيتها تماما.

كنت أحيانا أعتقد أنها صدف، لكن الأمر يتكرر بصورة كبيرة، وبشكل مخيف، فصرت مهووسة بالأحلام، وما عدت أميز بين الرؤى والأضغاث، وما عدت أفرق بينها، وصرت أصدق كل ما أراه في أحلامي، وأسعى لتفسيره، وصار الأمر يؤرقني، وفي كل مرة أعزم فيها أن أكف عن هذا، وأقنع نفسي أن ما أراه هو من شدة حزني وضيقي، أرى حلما يتحقق في اليوم الموالي، فأعود إلى ذلك الهوس، فربطت حياتي بما أراه في نومي، وقد أتعبني هذا، وأريد أن أتخلص من هوس الأحلام، فما السبيل؟

أحيانا أفكر أن أدعو الله أن يمنع عني هذه الأحلام، لكني أتردد، وأقول لعلها رؤى صادقة، خصوصا أن كثيرا منها تحقق، فكيف أدعو الله أن يمنعها عني؟ ولكني أيضا أريد أن أعود كما كنت في السابق، أنام نوما مريحا، ولا ألقي بالا لأحلامي، وأتساءل لماذا في فترة ضيقي تكثر أحلامي التي تصدق تماما كما رأيتها؟ وهل الأمر صدفة، أم أن الله سبحانه وتعالى يدلني بها على شيء لم أفهمه؟ فكل الرؤى التي تحققت لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بضيقي، والرؤى التي لها علاقة بشدتي لم يتحقق منها شيء إلى الآن.

أرشدوني بالله عليكم كيف أتخلص من هوس الأحلام التي تراودني؟ وادعوا لي أن يفرج الله همي ويثبتني.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ryma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأمر هين بفضل الله، فلا تحملي نفسك مشقة هذا الأمر، فالرائي إذا رأى رؤيا يخشى منها ضررا فينبغي أن يفعل ما يندفع به ذلك الضرر، وقد أخبر الصادق المصدوق: "أن من رأى رؤيا وشك في أنها تدل على حدوث ضرر فعليه بفعل أمر، قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أنه بعد فعله له يقينا لا تضره، وقد كان بعض السلف وبعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى الرؤيا يُحَمُّ بسببها، ويرتعد من هول ما فيها، ويصاب بالمرض -كما ذكر أبو سلمة التابعي عن نفسه وذكر أبو قتادة الصحابي عن نفسه-، حتى دلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يدفع عنهم الضرر، فهان عليهم جدا ما يرونه في مناماتهم.

روى البخاري عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي فهذا أبو سلمة يمرض بسبب ما يرى في منامه وفي رواية مسلم يوضح أن المرض الذي كان يصيبه بسبب الخوف من الرؤيا هو: الحمى ورعشة الجسم فيقول : كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْرَ أَنِّي لَا أُزَمَّلُ وقوله : أعرى أي:"أُحَمُّ لخوفي من ظاهرها في ظني" - حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».

وفي رواية: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ جَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَمَا أُبَالِيهَا»، وقد كان السلف لا يبالون بعد فعل تلك الأشياء بالرؤيا ويوقنون بقول النبي صلى الله عليه وسلم «فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».


فعليك أيتها -الأخت الفاضلة- أن تلزمي نفسك بأمرين: أحدهما قبل النوم، والآخر بعد الاستيقاظ من النوم، وتجتهدين في المحافظة على ذلك.

* فأما ما ينبغي مراعاته وفعله قبل النوم:
- الوضوء وقراءة الأذكار الحافظة، ومنها: قراءة آية الكرسي، وأواخر سورة البقرة «آمن الرسول»، المعوذات ومسح الجسد بها، فعن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: " قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات".

- ثم نفض الفراش، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات، فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعد، فإذا اضطجع فليقل: " باسمك ربي، وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"، فإذا استيقظ فليقل: "الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد علي روحي، وأذن لي بذكره".

وعن البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أتيتَ مضْجَعَكَ، فتوضأْ وضوءَكَ للصلاةِ، ثم اضطجعْ على شِقِّكَ الأَيمن، ثم قلْ:اللهم إنّي أسلمتُ نفسي إليكْ، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظَهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجاً منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، ونبيِّك الذي أرسلتَ، فإنْ مُتَّ مِن ليلتِك فأنتَ على الفطرة، واجعلهُنَّ آخرَ ما تتكلم به". وفي رواية "فإنّك إنْ مُتَّ من ليلتِك، مُتَّ على الفطرةِ، وإنْ أصبحتَ أصبتَ خيراً". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

* وأما ما ينبغي مراعاته وفعله بعد النوم:

أولا: أن تتعوذي بالله من شرها، وورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وبن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: "إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي".

ثانيا: أن تتعوذي بالله من شر الشيطان، فقد ورد في بعض طرق الحديث أنها منه وأنه يخيل بها لقصد تحزين الآدمي والتهويل عليه.

ثالثا: أن تتفلي حين تستيقظي من نومك عن يسارك ثلاثا .

رابعا: أن لا تذكري رؤياك لأحد أصلا، ولا تبحثي عن تفسير لها.

خامسا: أن تصلي ركعتين إذا قمت من نومك.

سادسا: أن تتحولي عن جنبك الذي كنت عليه.

قال القرطبي في المفهم: الصلاة تجمع ذلك كله، لأنه إذا قام فصلى تحول عن جنبه، وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء، واستعاذ قبل القراءة، ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه، فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه.

وورد في الاستعاذة من التهويل في المنام ما أخرجه مالك قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله إني أروع في المنام، فقال: " قل أعوذ بكلمات الله التامات من شر غضبه وعذابه، وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون".

صرف الله عنك كل سوء وشر، وحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً