الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد عودتي من سفري لاحظت تغيّرًا في سلوك ابني

السؤال

السلام عليكم.

لدي ابن وحيد، عمره (4) سنوات، كان سلوكه طبيعيا خلال الـ (3) سنوات الأولى، وفي السنة الرابعة ابتعدت عنه لمدة (7) أشهر لظروف العمل، وتركته مع والدته وجدته التي كانت تدلّـله بشكل مبالغ فيه حتى لو أخطأ.

بعد عودتي لاحظت عليه تغييرا كبيرا في سلوكه:
1- شديد العناد؛ لا يريد أن يفرض عليه أحد ما يفعل، حتى وإن كان يحب هذا الشيء، فإذا أعطيته طعاما؛ يرفضه، وإن ذهبت معه إلى الحديقة ليلعب بدون رضاه؛ لا يلعب، وهكذا.

2- متكبر على أبيه وأمه، عندما يريد شيئا لا يطلبه مباشرة، بل ينظر إلى الشيء الذي يريده، ثم ينظر إليك بنظرة تدل على رغبته في الشيء بنوع من الاستعلاء، فلا يريد أن يظهر بمظهر الذي يطلب من أحد شيئا، حتى عند دخوله الحمام لا يطلب من أمه تنظيفه، بل ينتظر إلى أن تأتيه على الرغم من إصرارها عليه أن يناديها عندما ينتهي.

3- عندما ننهره أو نغلظ عليه في القول، أو تهديده بالعقاب؛ لا يهتم ولا يكترث كأنه يقول لا يهمني، افعلوا ما تريدون!

4- إذا رغب أحد أبويه أو جدته باللعب معه فإنه يصدهم صدا عنيفا، إلا إذا أراد هو اللعب معهم.

5- يهتم بأغراضه جدا، فلا يرضى أن يقترب أحد من ألعابه، أو يهدم ما قد بنى، ويقابل من فعل ذلك بنوبة هياج وبكاء شديدة.

6- أشعر أنه غير سعيد، ومهما تحاول إسعاده لا تشعر أنه سعيد.

ولأنه وحيد، وصعب الطباع؛ فإننا نتجاهله في المنزل، وقد أقضي أنا وأمه أوقاتا طويلة على أجهزتنا المحمولة ومواقع التواصل بدون أن يكون بيننا وبينه أي تواصل؛ لأنه لا يريد التواصل مع أحد إلا برغبته. فما هي حالته؟ وما علاجها؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على هذه الأسئلة حول طفلكم هذا، حفظه الله، أقرّ به عيونكم.

قد تستغرب بأن كل ما ذكرته في سؤالك هي ردة فعل طبيعية ومتوقعة بعد أن يترك أحد الوالدين طفلهما لمدة طويلة نسبيا.

فعندما تركته وذهبت، الغالب أنه لا يدري ما سبب غيابك، وأكيد أنكم حاولتم إخباره إلا أنه في سن لا يفهم معنى المغادرة أو السفر أو الابتعاد، وإنما هو يفهم على أنه هجر وترك وتخلي عنه، فهو لا شك كان متعلقا بك قبل سفرك، وفجأة اختفيت من حياته.

والله تعالى قد وضع في الطفل آلية دفاع؛ ليحافظ عليه، فبعد اختفائك، كان على هذا الطفل أن يتكيّف مع غيابك، وعليه أن يدبّر نفسه كما يقولون، فلجأ إلى الاعتماد على نفسه، فهو يشعر بأنه -من يدري- قد تختفي أيضا أمه وجدته، كما اختفى أبوه!

وباعتبار أنه قد شعر بالهجر والترك والحرمان، فقد انقلب ضد من هم حوله، ليس لسوء نية أو قصد فيه، إلا أنها الفطرة التي فطر عليها للحفاظ على نفسه، وكي لا يتكرر الأمر مجددا بأن يعتمد على أحد ومن ثم يتركه ويرحل!

وعندما يعود الغائب، وكما حدث معك، فهو ما زال في حالة عصيان وتمرد على غيابك، وأيضا الأمر ليس لسوء منه، إلا أنه ردة فعل كل الأطفال، والكبار أحيانا. فما العمل الآن؟

قطعا الحل ليس بمقاطعته، ومعاملته بالمثل، أي أنه لا يريد أن يتواصل معكم، فأنتم لا تريدون أيضا التواصل معه، فما الفرق إذًا بينكم وبينه؟!

الحل أن تعطوه بعض الوقت؛ ليطمئن مجددا لكم، وخاصة أنت الأب، ليطمئن من أنك عدت لتبقى، كي لا يفاجأ باختفائك مجددا، فهو لا يدري إن كنت ستسافر مجددا، لأنه إن كنت ستسافر مجددا فلا فائدة من أن يبدأ بالتعلق بك، ومن ثم تتركه من جديد، مما يجعله يشعر بالألم والترك!

الطفل في حاجة للكثير من التطمين، ولكن من غير التدليل المفرط، ويحتاج للكثير من الاقتراب منه والتواصل معه، عكس ما تفعلون الآن.

ولا بأس أن تشرح له، وعلى مراحل، أين كنت ولماذا ذهبت؟ وأنك لم تذهب رغبة بالابتعاد عنه، فأنت تحبه كثيرا، ولا بأس أن تريه أيضا بعض الصور التي التقطتها وأنت في السفر بعيدا عنه. وحاول أيضا أن تطمئنه من أنك لن تسافر هكذا وتتركه مجددا، ولكن على شرط أنك متأكد من أنك لن تسافر في الوقت القريب، وإلا فالألم سيكون مضاعفا!

وفقكم الله، وأقر أعينكم بهذا الطفل الطبيعي.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق مصطفى

    فعلاآ الطفل طبيعي ولا يحتاج لشيئ سوى التطمين واعادة ثقة بمن حوله.
    وشكرا.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً