الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الوساوس القهرية في الإيمان والعقيدة؟

السؤال

أرجو قراءة استفساري بتمعن؛ لأنه قد يكون غريبا بعض الشيء.

منذ حوالي شهر كنت بعيدا عن الله، لكنه سبحانه يهدي من يشاء، وقد كنت أحفظ القرآن، لكن لم أكن أفهم معانيه، بل كنت أحفظه فقط، لكن بعد أن هداني الله بدأت أصلي، وأحاول الخشوع في الصلاة، ولكن لا فائدة، وليست هذه المشكلة!

المشكلة أنه بدأت معي منذ هداني الله وساوس لا تنتهي في الإيمان، والإسلام، والعقيدة، ولا أعرف كيف أنتهي منها، سواء كانت من شر نفسي، أو من شر الشيطان وشركه؛ فإنني كنت أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وكانت تذهب لفترة لا تتجاوز الساعة، ثم تعود، لكني كنت أخاف منها.

أخاف من أن أكون قد كفرت، ولكن عندما سألت أحد الشيوخ النصيحة نصحني بألا أجلس بمفردي، حتى لا ينفرد الشيطان بي، لكن حتى عندما أكون مع أصدقائي تأتي علي لحظات أعود إلى هذا التفكير، خاصة وأني مريض بالوسواس القهري.

كنت أكثر من الاستعاذة، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، حتى إنني كنت أحاول أن أشغل نفسي بالتفكير في أي شيء آخر، لكن عندما كنت أعود لنفسي أشعر أنني قد كفرت (أعوذ بالله) وأن الله لن يقبل توبتي؛ لما يأتي في خاطري، ولو أن هناك مكانة أدنى من مكانة الشيطان لوضعني الله فيها، ومع أنني أخاف من الله كثيرا، وأدعو الله بالبكاء، وأخاف من سوء الخاتمة.

شيء ما في نفسي يقول لي أكفر (أعوذ بالله) لكن إذا ابتعدت عن الله، وارتكبت معصية تبتعد عني كل الوساوس، وعندما أتوب إلى الله تعود إلي هذه الوساوس، وأحاول أن أثبت نفسي بكل ما وكلني الله به من قوة، لكن لا فائدة، فأشعر بالضعف، وأنني قد كفرت تماما، ولا مجال لتوبتي، وأن نفسي تساعد الشيطان، ولا تساعدني، خاصة أنني أشعر أني أصبحت ضعيفا، وارتعبت من كثرة ما أفكر به، وكلما أبعد نفسي عن التفكير بهذا الأمر أرجع له ثانية بأمر مني؛ خوفا أن أكون تركت نفسي على الكفر.

لا أعرف ماذا أفعل، بالله عليكم عجلوا في الإجابة؛ فإني متعب نفسيا، وخائف من كل من حولي، وأشعر أن نفسي تميل لترك الإسلام (أعوذ بالله) وأشعر أن الله سيقبض روحي غير راضٍ عني، لكني أستعيذ بالله، وأرجع إلى نفسي مرة أخرى، وأحاول أن أقنعها أن هذا حرام، وأرجع لآيات القرآن والأحاديث، لكن نفسي ترفضها، ولا أعرف لماذا.

أشعر أن الله غير راضٍ عني، خاصة أني لم أعد أواجه هذا الشك بنفس القوة التي كنت أواجهه بها في بدايته، لكن المشكلة أني كلما تركته شعرت أني تركته عند نقطة قد كفرت فيها؛ فأعود إليه لأبعده تماما عن طريقه الذي يريدني أن أنساق فيه، وعندما أشعر أنني أنساق في هذا الطريق؛ أعود وأصلي، وأتوب إلى الله، لكن نفسي الأمارة بالسوء، التي لو استطعت قتلها لقتلتها.

بالله عليكم عجلوا في الإجابة؛ لترد على نفسي، وعلى شيطاني الرجيم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –أيها الأخ الحبيبُ– في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يتوب عليك، وأن يثبتك على هذه التوبة التي بدأتها، وأن يصرف عنك كل شرٍّ ومكروهٍ.

كل ما تُعانيه –أيها الحبيبُ– وساوس شيطانية لن تضرَّك في دينك، ولن تؤثِّر على عقيدتك ما دمتَ كارهًا لها، فبكاؤك خوفًا من الله تعالى، واستعاذتك من الشيطان الرجيم وكراهتُك لهذه الوساوس التي تَرِدُ عليك؛ كل ذلك يدلُّ على وجود الإيمان في قلبك، إذ لولا وجود هذا الإيمان لما انزعجتَ هذا الانزعاج، وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- كراهة الوساوس التي تَرِد على القلب من الشيطان، جعل ذلك علامةً على وجود الإيمان، وسمَّاه (صريح الإيمان).

فاطمئن على إيمانك، ولا تجزع، ولا تخف، والشيطان إنما يريد أن يصدَّك عن ذكر الله وعن الطاعات التي بدأتَ فيها، ويريد أن يصرفك عن طريق الاستقامة الذي سلكته، ولذلك أوْرَدَ عليك كل هذه الشكوك والأوهام، فلا تُبالي بها، ولا تخف منها، وقد حصل هذا الحال لمن هو خير منك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه– قال: جاء ناسٌ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظمُ أحدنا أن يتكلَّم به، قال: (وقد وجدتموه) قالوا: نعم، قال: (ذاك صريح الإيمان).

فالشيطان إنما يُحاول تخريب القلب العامر بحب الله تعالى والإيمان به وذكره والتعلق به، أما القلب الغافل –أو قلب الكافر– إنه لا يعتني به، وكما قال ابن عباس –رضي الله تعالى عنهما-: (ما يفعل الشيطان بالبيت الخرب)، فالقلب إذا كان خرابًا فإن صاحبه بعيد عن هذه الوساوس، لأن الشيطان لا يتعنَّى لصرفه عمَّا هو فيه.

فالخلاصة أن دواءك وشفاءك -بإذن الله تعالى- إنما هو بالإعراض عن هذه الوساوس وعدم الاشتغال بها، فلا تُبالي بها، وكلما وردتْ عليك استعذ بالله سبحانه وتعالى واشتغل بغيرها، فإذا ثبتَّ وصبرتَ على هذا الطريق ستزول عنك بإذنِ الله.

نسأل الله تعالى لك الخير كله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • رنيز

    أسأل الله العظيم لك الثبات والشفاء والفردوس الاعلى وللمسلمين جميعا فهذا ما يحصل معي

  • السعودية إم وليد

    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفينا جميعا وهذا ما يحدث معي ايضا جعلتني هذه الوساوس أشعر بأن الله بعيد عند كل البعد وأشعر بأني فقد لإحساس بسببها

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً