الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أتحرر من عزلتي!

السؤال

أنا فتاة بالغة من العمر (19) سنة، لم أخط هذه الخطوة إلا بعد التفكير، والكثير من المحاولات الفاشلة لحل مشكلتي.

إنني أعيش في صراع دائم مع نفسي، أريد أن أتحرر من القوقعة التي أعيش فيها، أريد أن أبرز نفسي، أريد أن أكون على سجيتي، أريد أن يكون لدي أصدقاء ومعارف، وعلى الأقل صديقة أقضي معها وقتا، صديقة تحب أن تكون معي على أساس أني أنا، لا لتحقيق أغراض شخصية.

في الحقيقة سئمت من العيش هكذا، دائما وحيدة، ودائما أنا تلك الفتاة التي تراقب زملاءها في العمل والجامعة يتبادلون أطراف الحديث، ويمزحون، ويضحكون، وهي في الطرف وحيدة، أريد أن أحصل على من يحبني، سئمت من كوني أنا من يحترق قلبه ويدفن مشاعره.

دائما أحاول أن أقترب من الناس، وأبدأ الحديث معهم، لكني أصد، وأتلقى منهم نظرات التجاهل وعدم الاهتمام من أول لقاء، والتعليقات على عدم فهم كلامي، وأضطر دائما لإعادة كلامي، في الحقيقة أني أبتلع الكلمات في بعض الأحيان، ولا أعرف سرد الحقائق، ولا أجيد المزاح في كثير من المرات، أحاول تقليد الآخرين في الكلام، لكن ذلك لا يليق بي، أحس أني تافهة.

بعد فترة من معرفة الناس لي يصبحون يعاملونني كنكرة وحمقاء غبية!، فيلقون علي الأوامر والكلام الجارح، والملاحظات المهينة، ويضعونني دائما في مواقف محرجة، ولا أعرف كيف أدافع عن نفسي، كأنني ابتلعت لساني، ولا أجد كلمات مناسبة للرد، وأشعر بالضعف والحزن على حالي، رغم أني أريد البكاء لكن لا أجد دموعي، ودائما أريد أن أنسى ما يحدث لي وأتخطاه، وأعيش كل يوم كبداية جديدة، أسعى لأن أدفن تلك الفتاة الضعيفة، وأولد مرة أخرى فتاة أخرى قوية واثقة ذات شخصية جذابة، لكن دائما أفشل لأظهر من جديد كما كنت عليه.

في بعض الأحيان أحاول أن أقنع نفسي أنني مميزة، وغير الكل، لذلك لا أندمج مع الناس، وينتظرني مستقبل مشرق تعويضا للمعاناة التي عشتها، إلى متى علي أن أصبر وأتحمل، وأنتظر ذلك الوهم؟ لماذا أنا؟ لماذا لم أولد غير أنا؟ لماذا لا أحظى بأسرة مستقرة؛ أب متفهم، وغير بخيل، يحب أبناءه وزوجته، ويحرص على راحتهم، أمّ لا تنتقد زوجها، ولا تجرح مشاعر أولادها؟

أريد أن أراهم مجتمعين يتبادلون أطراف الحديث، ويضحكون، ولكن أدخل إلى المنزل وأتمنى أني لم أفعل، فدائما الشجارات، و(عفريتان) في المنزل (أخواي) اللذان لا يتركان شيئا، ويحرمان علي النوم في عطلة الأسبوع، بمعنى أني أعيش الجحيم أينما ذهبت!.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hazza حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

ابنتنا العزيزة: الاستجابة للمشاكل العائلية بالحزن والاكتئاب والبكاء ليس هو الحل لمجابهتها، بل لا بد من التفكير في حلها بالطرق الواقعية، أو على الأقل التعايش معها بطريقة إيجابية إذا لم نوفق في الحل المناسب في الوقت الراهن.

فنقول لك: أولاً لا بد من تعديل وتصحيح العلاقة مع الوالدين، حتى وإن شعرت بأنهم ظلموك في فترة من الفترات، أو في مرحلة من المراحل، فأنت مأمورة بطاعتهم، فبر الوالدين سبب سعادتك في الدنيا والآخرة، والحمد لله الآن أصبحت ناضجة ومسئولة، وقادرة على اتخاذ قراراتك بنفسك، ومؤهلة للتخطيط لمستقبلك، فحاولي التقرب من الوالدين، وانتهجي سياسة الحوار معهما، وأبدي وجهة نظرك في كل ما ترينه مناسبا؛ لكي تزداد ثقتهم فيك.

نقول لك: أنت الآن اكتشفت الداء، فكوني مصدر التغيير لكل أفراد الأسرة؛ لكي يتحقق ما تتمنينه، وفكري في كيفية إشاعة روح المحبة والفكاهة في البيت بإقامة اللقاءات الأسرية الدورية، واستغلال المناسبات، وتكريم الوالد والوالدة، وتقديم الهدايا لهما حتى ولو كانت رمزية معبرة، فهذا قد يذوب جبل الجليد الذي حال بين أفراد الأسرة، فالأسرة هي مصدر سعادة أفرادها، فإذا انسجمت قد لا تحتاجين للبحث عن السعادة في الخارج.

ثانياً: تدربي على طريقة الحوار والنقاش الهادف مع محدثيك، وذكري نفسك دائما بأن ما لم يكن فيك لا تحدثه التعليقات أو الألفاظ التي تصدر من الآخرين، والمرء يقيّم بدينه وبخلقه، وليكن معيارك لقياس الأمور مستمدا من الكتاب والسنة.

ثالثاً: التمسي العذر للآخرين، والتسامح والعفو إذا أخطأ أحدهم عليك، فإنك بذلك تكونين أفضل منهم، وتدخلين -إن شاء الله- في زمرة الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وابتغي الأجر من الله تعالى. واغضبي إذا انتهكت حرمات الله، ودافعي عن نفسك في المواقف التي تتطلب ذلك، ولا تجاري السفيه والأحمق.

رابعاً: حاولي إيجاد مبررات لردود أفعالك بالطرق الواقعية، ولتكن نظرتك شمولية ومتحررة من الهوى، وعبري عن مشاعرك سواء كانت إيجابية أو سلبية وفقاً لمتطلبات الموقف.

أما بالنسبة للصداقة فهي من العلاقات الاجتماعية المهمة في حياة الإنسان، وخاصة إذا كانت مبنية على أسس صحيحة خالية من المصالح الشخصية ومن هوى النفس، وأعظم أنواعها الأخوة في الله, فهؤلاء من الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، وقد تأتي صدفة أو متعمدة، والمهم هو أن يكتشف الشخص أن هناك شخصا آخر يبادله الاحترام والتقدير، ويشاركه الاهتمامات والميول، ويقف معه ويؤازره وقت الضيق، ويحفظ أسراره، ويستر عيوبه، ويعفو عنه إذا أخطأ، فالحياة تجارب وخبرات، فمن استفاد من تجاربه وخبراته الماضية تقل أخطاؤه، وتتحسن تصرفاته، فنريدك أن تعتبري ما مضى صفحة قد انطوت بخيرها وشرها، ولا تندمي على ما فات، بل ما زالت الفرص أمامك لتكوين صداقات جديدة تتجنبين فيها ما حدث في الصداقات الماضية، ولكل فترة زمنية أصدقاء، ولكل مرحلة أحباء، فاهتمامات الفرد ونظرته للحياة تتغير من زمن إلى آخر، وأنت ما زلت في مقتبل العمر، ويرجى منك الكثير، فلا تيأسي وتقنطي في بداية المشوار، بل واصلي المسيرة، واسعي إلى أن تجدي من ينسجم مع قيمك واهتماماتك وميولك.

وإليك بعض الإرشادات يمكن الاستفادة منها لحل المشكلة:
1- اسعي في مرضاة الله، فإذا أحبك الله جعل لك القبول بين الناس.
2- ينبغي أن تتصالحي مع نفسك، وتتحرري من هواها، وتثقي في قدراتك وإمكانياتك واعتزي بها، ولا تقارني نفسك بالآخرين في أمور الدنيا.
3- كوني نموذجاً في الأخلاق، واحترمي قيم وآراء الآخرين.
4- أفشي السلام على من تعرفين ومن لا تعرفين، وساعدي من يطلب منك المساعدة، واعرضي مساعدتك على من يحتاج للمساعدة.
5- قدمي الهدايا لمن حولك حتى ولو كانت رمزية؛ فإنها تحبب فيك الناس، وازهدي فيما عندهم.
6- بادري بمواصلة الآخرين في مناسباتهم الاجتماعية، وشاركيهم في مناسباتهم السارة وغير السارة.
7- أحسني الظن دائماَ في الآخرين إلى أن يتبين لك العكس.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا Haja Adam

    شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً