الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من حالة نفسية، أعينوني على علاجها لأسعد في الحياة

السؤال

السلام عليكم

أنا بعمر 27 عاماً، أعاني من حالة نفسية، قرأت عن بعض الأعراض التي تتوافق مع حالتي، وهي "القلق أو الرهاب الاجتماعي".

علماً أن جذر المشكلة كانت في النشأة؛ إذ أن الأهل يعانون من نفس المشكلة تقريباً، فكنا في انعزال شبه تام عن المحيط الذي نعيش فيه، والحرص والخوف على الأطفال كان شديداً جداً, حتى كان بعض الجيران والأهل ينكرون على والدي عدم مشاركة أطفالهم مع الآخرين من أقاربهم أو جيرانهم في أي نشاط ما.

هذا بدوره أدى إلى تفاقم المشكلة لدي منذ الصغر، إذ أنني كبرت وأصبح الانعزال وعدم الارتياح في معاملة الناس والاختلاط بهم جزءاً من شخصيتي التي أكرهها لذلك الطبع المكتسب!

حاولت كثيراً أن أغير هذا النمط الممل الكئيب من حياتي، ولكنني أنتكس قبل أن أبلغ ما أتمناه من مراحل التعافي، وهذه المشكلة أو المرض دمر حياتي، وأضاع عليّ فرصاً كثيرة، من إكمال دراسة أو الالتحاق بعمل أو الارتباط بشريكة حياة!

ما يزيد حنقي وضيقي وتحطيمي أكثر هو أن أقرب الناس إليّ يعتبروني متكبراً وكئيباً، وغير مهتم لأمرهم، ومعهم حق في هذه الاستنتاجات السلبية، فأنا لا أشاركهم في أحزانهم ولا أفراحهم، وأتجنبهم، حتى السلام يثقل عليّ أن ألقيه عليهم، لكن بغير إرادة مني، بل أحزن أني لم أفعل، ولم أعد أطيق حياتي بهذا الشكل الذي لا هو حياة ولا موت.

تعرفت على قريب لي يتعاطى المخدرات، فكنت في حالة يرثى لها، فقررت التجربة ووجدت فيها بعض الراحة، والشعور الزائف بالسعادة، وبدأت أكون علاقات لا بأس بها، وسرعان ما حولت هذه العقاقير (ترامادول-ابتريل) حياتي إلى جحيم، وشعرت أني سليب الإرادة وتائه وذو عقل غائب، وإحساس متبلد، فضلاً عن كم المشاكل التي أحدثتها لي هذه الفترة المشئومة من الإدمان عليها، وحينها قررت الرجوع لطبيعتي، وقلت إما أن أحيا على طبيعتي أو الموت أفضل من هذا الجحيم.

مضى عام كامل عن إقلاعي تماماً عن أي عقار مخدر، وأعاني نفس المشكلة القديمة، حالة شبه هلع تنتابني، وشرود ذهني وعدم راحة في الكلام مع أي شخص، حتى أقرب المقربين إلي، ولا أعرف ما الحل؟! فهل يوجد حل أصلا أم هذا طبع وجينات لن تتغير؟ وحينها لا أتردد للحظة لمغادرة هذه الحياة.

أرجو الإفادة، ولكم جزيل الشكر والعرفان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وكما تفضلت وذكرت هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها سؤالك على طبيب نفسي، وأقول لك: إنك قد طرحته بصورة رصينة جدًّا ووافية جدًّا.

خلاصة الذي توصلتُ إليه أنه لديك شيء من سوء تقدير الذات، وأتفق معك أنك تفتقد أيضًا المقدرة على الانطلاقة الاجتماعية وعلى التمازج الاجتماعي، ولا أريد أن أسميها رهبة اجتماعية حقيقية، إنما هو نوع من الانقباض الاجتماعي، وقطعًا تنشئتك وتربيتك قد لعبتْ دورًا في ذلك.

رسالتك قطعًا أعجبتني كثيرًا، كما ذكرتُ لك. وأنا أتفق معك في كل ما ذكرته، وأقول لك: إن هذه الحالات يمكن أن تُعالج من خلال إدراك الأسباب، والأسباب أنت قد تحدثت عنها، وهي تجارب قد مضت.

العملية ليست عملية جينية، إنما هي عملية بيئية أكثر من ذلك، لأن المحيط الذي نشأت فيه كان فيه هذا التقيُّد الشديد والحماية المطلقة من جانب الوالد جزاه الله خيرًا، هو قطعًا سعى ورأى أن هذه أفضل طريقة للتربية، لكن قطعًا كانت هناك أخطاء غير مقصودة.

إذًا الأمر ليس أمرًا جينيًا إنما هو أمر بيئي، وحتى وإن كان هناك تأثير جيني أعتقد أنه ضعيف جدًّا، وأنا أؤمن بأن العوامل المُرسِّبة والمهيئة حين تتفاعل مع بعضها البعض تُولِّد لدينا السلوك الإنساني.

أخِي الكريم: الذي حدث لك هو أمرٌ متعلَّمٌ مكتسبٌ، وما هو متعلم ومكتسب يمكن أن يُفقد عن طريق التعليم المضاد.

لا تأس على ما مضى – أخِي الكريم – أنت الآن تتميز بميزة الوعي والإدراك والتمييز الممتاز، أنت في بدايات سن الشباب، طاقاتك قطعًا موجودة حتى وإن كانت مختبئة، والتغيير يأتي منك أنت – أخِي الكريم – لأن الله {لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}، إذًا لا أسى على الماضي ولا خوف من المستقبل.

أعتقد أنك محتاج لعلاج دوائي، هذا أمر أنا أحتِّم عليه، هنالك أدوية ممتازة جدًّا لعلاج هذا الانقباض الاجتماعي، لأنه ليس بعيدًا عن الخوف الاجتماعي حقيقة، ومقابلتك لطبيب نفسي أعتقد أنها ستكون مفيدة جدًّا، أنت لا تحتاج لأدوية متعددة، بل دواء واحد، عقار مثل الـ (لسترال Lustral) والذي يسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline)، أو الـ (زيروكسات Seroxat) والذي يسمى علميًا باسم (باروكستين Paroxetine) أو الـ (سبرالكس Cipralex) والذي يعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram) سيكون مفيدًا جدًّا لك، لأنه سوف يُفتِّت حالة القلق والخوف حين الانفتاح أو التواصل الاجتماعي.

بعد ذلك تبدأ في برامجك الاجتماعية، لا بد أن تكتبها كنشاط يومي، لا بد أن يكون لك على الأقل منشط أو منشطتين اجتماعيين، وهذا ليس صعبًا.

أخِي الكريم: صلاة الجماعة مثلاً هي من أفضل الأشياء التي تطوِّع الإنسان على التأهيل الاجتماعي الصحيح، وفيها الطمأنينة، وحين تقابل المصلين، والواحد حين يجد نفسه في بيتٍ من بيوت الله، وتحفُّه الملائكة، هذا – أخي الكريم – وضع عظيم.

زيارة أحد الأصدقاء مثلاً، ضع برنامج مثل هذا، وزيارة مريض في المستشفى، والذهاب إلى أحد مراكز التسوق، وتلبية دعوة عُرسٍ أو خلافه، والذهاب إلى مباريات كرة القدم مثلاً.

أخِي الكريم: هذه الأنشطة موجودة وفي واقعنا، فاحرص عليها، وألزم نفسك، والتغيير سيأتي إن شاء الله تعالى، وتناول الدواء أراه بالنسبة لك جيداً جدًّا، لا بد أن تُمارس الرياضة، والرياضة الجماعية هي الأفضل، الرياضة هي العلاج الأساسي لمثل حالتك هذه.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً