الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرضت لموقف سبب لي الكآبة بقية عمري.. فهل هناك دواء يريحني من هذه الحالة؟

السؤال

السلام عليكم.

ممتنة لكم لهذه المساحة الجميلة من البوح، أسأل الله أن يسعدكم في الدارين، ويفرج كربتكم كما تفرجون عنا بعد الله.

مشكلتي وابتلائي هو الوسواس القهري، فمنذ ريعان شبابي وأنا في حرب معه بلا هوادة، أحيانا يغلبني، وأحيانا أنتصر لنفسي منه، فلم أكن أعرف عدوي جيدا في مرحلة المراهقة، ولهذا بعد أن كان محصورا في الصلاة والعقيدة أخذ يتشعب ويتلون.

أنا مؤمنة جدا بأن المسلم مبتلى، وﻻ راحة إلا عند أول موضع لنا في الجنة، لكن أتمنى من الله أن أحيا حياة طيبة أتلذذ فيها بالعبادة وبالمباحات.

شخصيتي قلقة جدا من اأبسط الأمور، وأسعى لتضخيمها، حساسة جدا، وحريصة على مشاعر الآخرين، ومخلصة، أخاف من التجمعات، وكنت في طفولتي جريئة، ولكن إحدى المعلمات زجرتني في موقف اجتماعي، وبعدها أصبحت خجولة جدا.

ﻻزمتني ضيقة وحزن فظيع، وأنا في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وربما المرحلة الثانوية مع بداية كل عام دراسي، وخاصة في أول يوم من بعد العودة من المدرسة، أنام وأنا حزينة، ربما أبكي، وقد كان إخوتي يخوفوني دائما بأشياء تافهة أراها الآن في نظري، ولكنها أرعبتني في طفولتي، وكنت أبكي خاصة من أخي، لهذا كبرت وكبر هذا الخوف معي.

والدتي كانت شديدة جدا، ولا أتذكر لها شيئا من الحنان، ربما لأنها لم تعش الحنان أيضا، وكانت يتيمة.

في المراهقة كنت ملتزمة جدا، وأحضر حلقات المصلى، ومواظبة على حفظ القرآن في الدار، وأتذكر بداية وسواسي كان في السجدة الأخيرة، فقد كنت أنسى كم سجدت؟ وأطيل حتى أتذكر، وفي حصص التوحيد كنت أتساءل عن الخالق والكون، ولكنها كانت غير ملحة كما أصبحت الآن.

كنت سعيدة في قربي من الله، وبعدها تركت الدار، وفي آخر سنة جامعية تعبت جدا بسبب المشاريع المطلوبة لكل مادة، وكنت في مجموعة تسودها المشاكل والأنانية، وحصلت لي مشكلة مع إحداهن لأني لم أعد أتحمل أسلوبها الذي أوقعنا في العديد من المشاكل مع الأخريات، ولأني لم أعتد على هذه الخلافات، فقد تعبت نفسيتي.

بالإضافة لازدياد حدة الوساوس وقتها، وأذكر ذلك اليوم عند عودتي من الجامعة تأخرت في صلاة العصر بسبب الأمطار والسيول، وأخذت أوسوس، وبعدها انهرت أمام أختي، وصرخت بكلام ﻻ أعلمه، وظن أهلي أن بي مسا، وذهبت إلى إحدى الراقيات المصرح لهن، وقالت لي بأنها مجرد وساوس.

وقبلها بشهر توفيت ابنة عمي، وأثر هذا علي، فوصفت لي دكتورة الجامعة البروزاك 20 مل، ووصفت حالتي بالوسواس والقلق.

لم أستمر على العلاج؛ لأني لم أكن أملك المال، وبعد تخرجي من الجامعة مرضت عمتي بالسرطان، وكنت أرعاها، حتى ذهابها للحمام -أجلكم الله-، وكنت أساعدها في البحث عن راق لها، وفجأة جاءتني نوبة هلع، وقلت لهم لا أريد راق يدخل المنزل، كان هذا شيئا ملحا وشبيها بإلحاح الوسواس، يجبرني على عدم السيطرة على نفسي، أو ربما هو الوسواس.

عمتي كانت كريمة معنا، ربتنا مع أمي منذ الصغر، فهي مطلقة، وكانت شديدة وقت الحزم، لذا نعتبرها أما ثانية، بعدها بأشهر توفيت -رحمها الله-، وتعبت أيضا، وأصبحت أشعر بحزن فظيع، ورغبة في البكاء، وخوف، من عدم السيطرة على مشاعري، وضيقة مفاجئة، بعد هذا رجعت للدار، وعاودت القرب من الله، وصبرت وتصبرت، ولكن هذه الأعراض أزعجتني.

بدأت هذه الأعراض منذ حادثة زميلتي، والمستمر معي إلى الآن هو الضيق المفاجئ، والحزن المفاجئ، والقلق والوسواس بقدر معين، والرهاب الاجتماعي، وحينما أكون في خصام مع أحد ﻻ أعرف كيف أبرر حتى ولو كان الحق معي، وأتوتر، ويزداد نبض قلبي، ولا أتلذذ أو أستمتع بشيء، وأحيانا ﻻ أميز بين الوسواس القهري ووسواس النفس والشيطان.

كما أن لدي نقصا في فيتامين د، وفقر الدم، وطلب مني الدكتور تحليلا للغدة الدرقية، وفوضت أمري إلى الله، وهو بصير بالعباد، لكنني أريد الأخذ بالأسباب، أريد مقاومة الوسواس بكل أشكاله إلى أن يتوفاني الله، وأحتسب الأجر منه.

أتمنى أن أحقق أحلامي، وأنفع أمتي والبشرية، لذا أطمع أن تصف لي دواء كوني ﻻ أستطيع الذهاب لطبيب نفسي حاليا، فوالدي كبير في السن، وإخوتي في الخدمة العسكرية، وأرجو من الله أن أتمكن في القريب العاجل من الذهاب لطبيب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ داليا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة الكريمة: وصفك جميل ودقيق وواضح جداً، بالفعل أنت لديك قلق الوساوس، ولا شك في ذلك، وما يأتيك من مخاوف وشيء من عسر المزاج هنا وهناك، فهذه مجرد إضافات تصاحب الوسواس القهري، والذي يتضح لي أيضاً أن شخصيتك حساسة بعض الشيء وطيبة، والمنظومة القيمية لديك بفضل من الله تعالى عالية جداً.

الوسواس القهري يجب أن لا نتركه دون علاج وهذا أمر مهم جداً؛ لأن التعايش مع الوسواس أمر ليس بالسهل، وتأخير علاج الوسواس يجعله يتمكن أكثر، وبعض الناس بكل أسف يقررون أن يتعايشون مع وساوسهم، وهنالك من يقول أنه بلاء وأنا أرضى بالبلاء.

جميل للإنسان المبتلى أن يصبر، ولكن ما دام العلاج متوفرا ومعروفا فأعتقد هنا أن العلاج ضروري وواجب، (وما جعل الله من داء إلا جعل له دواء فتداووا عباد الله).

أعجبني قطعاً أنك تسألين عن الدواء الذي يعالج الوسواس، وأنا أبشرك بأنه يوجد 4 أو 5 أدوية ممتازة فاعلة، ولكن هنالك شروط للاستجابة العلاجية الدوائية:
- الالتزام بالجرعة التزاماً قاطعاً، وتدعيم العلاج الدوائي بالفنيات السلوكية لمحاربة الوسواس، وأهم هذه الفنيات هي: تحقير الوسواس وعدم مناقشته ومحاورته، فهذا مهم جداً، وأن يشغل الإنسان نفسه بما هو مفيد، وأن لا يدع مجالاً للفراغ.
- وأن يسعى لاستبدال الفكر الوسواسي بفكر مخالف له.
- كما أن ممارسة شيء من الرياضة والتمارين الاسترخائية.
- وحسن التواصل الاجتماعي هذا كله يعتبر مساعداً لعلاج الوساوس القهرية.

ومن الواضح أنك تقية نقية، فأسأل الله تعالى أن يثبتك ويثبتنا على المحجة البيضاء، ونحن الآن مقبلون على موسم الخيرات (شهر رمضان)، نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه، ويجعلنا من الصائمين القائمين، ولا شك أنه وقت استقرار عظيم فيجب أن نستفيد منه كثيراً.

الدواء الذي أريد أن أرشحه هو دواء جيد، و هو عقار فلوكستين الذي وصف لك سابقاً، هو البروزاك، وإن كانت الأحوال المادية لا تسمح بالحصول على البروزاك بمسماه التجاري فاسألي عن الفلوكستين، حيث توجد بالمملكة منتجات أخرى لشركات أخرى للأدوية غير الشركة ليل الأمريكية التي تصنع البروزاك، والفلوكستين الموجود في المملكة كله ممتاز، وكله فاعل، وكله سليم، وغالباً أسعاره أقل كثيراً من البروزاك.

جرعة الفلوكستين المطلوبة هي كبسولة واحدة يومياً 20 مليجرام، يتم تناولها بعد الأكل لمدة 10 أيام، بعد ذلك تجعليها كبسولتين في اليوم تستمرين عليها لمدة شهرين، ثم تتناولي الجرعة التدعيمية، أي تجعلين الجرعة 3 كبسولات في اليوم، كبسولة صباحاً وكبسولتين ليلاً لمدة شهرين، ثم تخفضين الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة 6 أشهر، ثم كبسولة واحدة في اليوم لمدة 6 أشهر أخرى، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهرين، ثم تتوقفين عن تناول الدواء.

ومدة العلاج ليست طويلة أبداً، وهذا النوع من الوساوس يتطلب هذه المدة، كما أن الجرعة هي الجرعة الصحيحة، والبروزاك دواء سليم جداً ورائع.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً