الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أخاف من الموت بعد علمي بموت قريب لصديقي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا على موقعكم الرائع.

مشكلتي أني قبل شهر كنت مع الزملاء في أحد المنازل للمذاكرة، تلقى أحد الزملاء اتصالا بوفاة ابن خالته، وطبعا جاءني إحساس مفجع، كيف؟ وماذا حصل له؟ ولماذا؟ (يعني أنا أحسست بالفاجعة أكثر منهم) رحمة الله عليه، توفي بسبب سكتة قلبية، ويقال إنه كان قبل الوفاة يحس أنه سيموت، وشاهد قبره، وودع أمه، ومن هذا الكلام.

ومن بعدها حتى اليوم وأنا أشعر بخوف، وسواس من الموت لا يطاق، اكتئاب، وضيقة، وحزن، ويعني لم أصبح مثل الأول، حتى في دراستي وأعمالي اليومية، حتى والدتي لاحظت لأني ملازمها دائما.

القلق سبب لي نوبات هلع مفاجئة، وخوف، وتعرق، وبرودة أطراف، وأغلب يومي وأنا تفكيري بالموت، وسأموت قريبا، وتوتر، وصرت أخاف من المستقبل، وإذا جاء أحد وقال لي: نذهب للتنزه؛ أفكر أن هذه آخر مرة أخرج فيها.

ذهبت إلى دكتورٍ مختص بطرق تغيير وتنظيف العقل اللاواعي من الوسواس، والأفكار السلبية، وذلك عن طريق جلسات التأمل، وقد استفدت كثيرا، لكن بعد الجلسة بيومين جاءني ألم مفاجئ في صدري، ونوبة هلع كنت أحس أن روحي ستخرج.

ذهبت إلى الطوارئ، فقال لي الدكتور: إنها آلام ناتجة بسبب الغازات، وبرد على عضلات القفص الصدري، والحمد لله ارتحت، لكن رجعت الأفكار مرة ثانية، ورجعت الضيقة والاكتئاب.

هل صحيح أن الإنسان يحس بقرب أجله؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ anas حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب.

أخي الكريم: هذا الذي تتحدث عنه من قلق وتوتر ومخاوف، وهل الإنسان يحس بموته أم لا؟ هذه أحد المخاوف بل الخرافات الشائعة وسط الناس، لأن علماء الشرع قالوا: إن هذا الكلام لا أساس له، وهذا من علم الغيب الذي اختصه الله تعالى لنفسه، حتى الأنبياء لا يعلمون به، {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}، {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت}، {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير وما مسَّني السوء}.

أيها الفاضل الكريم: الذي حدث لك هو نوع من التماهي أو التطابق في الأعراض، حيث إن أحد زملائك حين تلقى خبر وفاة ابن خالته، هذا أثَّر عليك نفسيًا، وحدث نوع من التماهي أو التطابق النفسي الذي أدى إلى ما تحسّ به، والوسوسة حول ما يُشاع بأن الإنسان يحسّ بموته هذا قطعًا جعل له أثرًا نفسيًا عليك.

أنا أعتقد أنك محتاج أن تُجالس أحد المشايخ وتناقش معه هذا الموضوع، أنا لا أقول إنك ضعيف الإيمان، أو ضعيف الشخصية، لا، لكن الحقائق يجب أن تُدرك وتُدرك من مصادرها الصحيحة، حقِّر هذا الفكر، عش حياتك بكل قوة، الأعمار بيد الله، {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}.

ومواصلتك للعلاج مع الطبيبة الأسرية أعتقد أنه سوف يكون مفيدًا لك، المزيد من الجلسات، وأن تُجالس أحد المشايخ، هذا سوف يُكمل البرنامج العلاجي بالنسبة لك، وأنا أقترح أن تصف لك الطبيبة أحد مضادات المخاوف أيضًا، عقار مثل (زولفت) أو (سبرالكس) لمدة ثلاثة أشهر، أعتقد أن ذلك سوف يُساعدك كثيرًا.

كل الأعراض العضوية الجسدية التي تعاني منها ناشئة من القلق، والقلق هو مكوّن رئيسي جدًّا للمخاوف.

بصفة عامة وكنصيحة تأهيلية مهمَّة، هي: ألا تجعل هذه الأعراض تُعطِّل حياتك، على العكس انخراطك وانسجامك مع الأنشطة الحياتية المختلفة على النطاق الاجتماعي، في مجال العمل، ممارسة الرياضة، هذا سوف يعطيك فرصة كبيرة جدًّا للتحرُّر من هذه الأعراض التي تعاني منها.

أيها الفاضل الكريم: للمزيد من النصح والإرشاد حول تساؤلاتك، وهو: هل صحيح الإنسان يحسُّ بموته سوف أحوّل هذا الأمر إلى الإخوة في إدارة الشبكة الإسلامية؛ ليفيدك أحد الإخوة المشايخ.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
__________________________________________
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ مراد القدسي مستشار العلاقات الأسرية والتربوية
__________________________________________

- ما تعاني منه خوف من الموت زائد عن الحد، وتحول إلى وسواس، ثم بدأ التحول إلى أعراض مرضية.

- شرعا يسن أن يتذكر الإنسان الموت، ويخاف أن يأتي عليه؛ ولكن لا يجوز أن يتحول إلى خوف يقعد الإنسان المسلم عن العمل، بل ويحول حياته إلى أمراض وآهات؛ لأن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم كان يحذر من الموت، ومع هذا عاش حياته حياة طبيعية، يضحك ويمزح مع أصحابه؛ ومن باب أولى لم يأته ما جاء لك من أعراض تعاني منها.

- تحتاج إلى ملازمة الذكر وقراءة القرآن، والاستغفار، والمحافظة على الصلاة في وقتها؛ ومجالسة الصالحين وسيذهب هذا عنك تدريجيا بإذن الله تعالى.

- أخشى عند سماعك للخبر أنك أصبت بخوف شديد، وكنت في حالة غفلة عن ذكر الله؛ فلعل ذلك أصابك بمس شيطاني؛ هذا مجرد احتمال؛ ولهذا ننصحك بالرقية الشرعية من قراءة الفاتحة، والمعوذات، وآية الكرسي، وكثرة الدعاء، والصدقة على المحتاجين.

- قوة الإيمان بالله وحسن الظن به؛ والإيمان بما يقدره الله للعبد المسلم؛ وبأنه خير له؛ وأنه لن تموت نفس إلا وقد استكملت رزقها وأجلها، قال تعالى: {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف : 34] الإيمان بهذا، واستحضاره في النفس؛ سيذهب الله عنك به ما تجد بإذن الله تعالى.

- إذا قال الطبيب النفسي أن لديك وسواسا؛ فإن العلاج الشرعي لهذا من خلال ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله، وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله ثم ذكر بمثله، وزاد: ورسله" رواه مسلم.

ويمكن أن تستخلص طريقة علاج الوسوسة من الناحية الشرعية بالآتي:

* أن تعلم أن الوسوسة من كيد الشيطان، والإنسان المؤمن أقوى منه وكيد الشيطان ضعيف، إذا قوي المؤمن بذكر الله وقراءة القرآن.

* قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما تطرأ عليك الوسوسة، وزيادة الخوف من الموت.

* قل آمنت بالله ورسوله؛ أو قل آمنت بالله ورسله.

* اترك الاستطراد في الوسوسة، بل يلزم التوقف عنها، واشغل نفسك بكل نافع ومفيد.

نسأل الله تعالى أن يفرج عنك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات