الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي وسواس قهري، كيف أتخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم.

أرجو أن تساعدوني، عندي وسواس قهري، أول وسواس لدي هو الكفر، واستطعت التخلص منه، وبعد بضعة أشهر أتاني وسواس أشد منه، وأدخلني في دائرة الجنون، وبحثت عنه لكن لم أجد له جواباً، وأتردد في طرح هذا السؤال خوفاً من أن يقولوا أنت كافر! وسؤالي هو:

كيف يكون الإنسان مؤمناً بالله سبحانه وتعالى؟ هل عليه أن يكون ملازماً للذكر 24 ساعة، حتى يكون مؤمناً؟ وهل الله يريدنا أن نذكره 24 ساعة؟ لأن الله تعالى أمرنا أن نذكره ونحمده كثيراً، والذي يعرض عن الذكر سيعيش في ضنك.

هل على الإنسان أن يتلفظ بالشهادتين بشكل مستمر؟ مثلا لو لعبت أو نمت أو قرأت بالتأكيد سأغفل عن الشهادتين، وأنسى أني قلتها، فهل سأكون كافراً؟

أصبحت أرى الناس كفاراً أو منافقين، لأنهم يصلون وبعد خروجهم من الصلاة ينشغلون بحياتهم وبلعبهم ومزاحهم، فهل هم منافقون؟ لأن المنافقين قليلو الذكر لله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فاهم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا؛ ونسأل الله لكم الشفاء.

الذي يمكن أن نشير به يكمن في الآتي:
- بداية لا بأس أن تعرض نفسك على طبيب نفسي.

- أما مسألة ذكر الله تعالى فينقسم إلى قسمين:
ذكر مقيد: وهي الأذكار التي لها زمن أو حالة محددة؛ مثل أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم؛ وأذكار دبر الصلوات ونحو ذلك؛ فهذه يستحب المحافظة عليها؛ وفيها خير كبير للذاكر.

ذكر مطلق: وهذا ليس له وقت معين؛ بل يمكن يأتي به الذاكر في أي وقت، مثل قراءة القرآن؛ والاستغفار؛ والتسبيح والتحميد؛ ونحو ذلك.

إذا ترك الإنسان الذكر أو غفل عنه ؛ واشتغل بالمعاصي؛ فهنا يمكن أن يتسلط عليه الشيطان؛ وفيه من صفات المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلاً؛ أما إذا قصر فيه فلا يحصل له شيء من ذلك.

- مسألة تكرار كلمة التوحيد؛ هذا ليس لازماً فأنت من الموحدين؛ سواء غفلت عن ذكر الشهادتين؛ أو ذكرتها؛ وهذا الذي يأتيك إنما هو بسبب الوسواس؛ يريد أن يصدك عن التوحيد؛ بحجة أنك غفلت عن الشهادتين! فينبغي أن لا تلفت إليه، وعليك أن تأخذ بما ننصحك به حول الوسوسة.

- يجب أن تعلم أن الوسوسة من أقل مكائد الشيطان على الشاب؛ وكونك تكره ذلك وتتمنى زوالها ولا تحب الحديث عنها؛ فهذا علامة على الإيمان بالله، وأن هذه الوسوسة تؤول إلى الزوال بإذن الله تعالى.

قال بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: (وقد وجدتموه)؟ قالوا: نعم، قال صلى الله عليه وسلم (ذاك صريح الإيمان) رواه مسلم. وفي رواية، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال: (تلك محض الإيمان).

- هناك علاج عام للخلاص من الوسواس، وهو كثرة الذكر وقراءة القرآن والاستغفار، وحضور مجالس العلم؛ فإن الذاكر لله تعالى ينصرف عنه الشيطان.

قال ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان؛ ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾، وكلما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطْعَ الطريق عليه.

- من العلاج العام للوسوسة الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصِدق وإخلاص؛ كي يُذهِب عنك هذا المرض.

أما العلاج الخاص للوسوسة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله، وفي رواية : يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله، ثم ذكر بمثله، وزاد: ورسله " رواه مسلم.

يمكن أن نستخلص طريقة علاج الوسوسة بالآتي:

أعلم أن الوسوسة من كيد الشيطان وكيده ضعيف، إذا قوي المؤمن بذكر الله وقراءة القرآن، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما تطرأ عليك الوسوسة، وقل: آمنت بالله ورسوله.

اترك الاستطراد في الوسوسة، فلا تلتفت لما جاء فيها؛ من تشكيك في التوحيد؛ أو دعوى الغفلة عن الذكر؛ أو دعوى أنك ستصاب بالجنون؛ فلا تفكر في كل ذلك؛ ولن يضرك شيء بإذن الله تعالى.

قال ابن حجر الهيتمي: للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنه متى لم يلتفتْ لذلك، لم يثبت، بل يَذهَب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأما مَن أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها".

اشغل نفسك بكل نافع ومفيد من القراءة؛ والجلوس مع الصالحين وغير ذلك.

نسأل الله تعالى أن يفرج عنك، وأن يصلح شأنك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً