الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صرت أفضل الانعزال عن الناس وأسوف في أداء عملي مع حبي لهن

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خير الجزاء على ما تقدموه للمسلمين من نصح وإرشاد كلاً فيما يحتاجه.

أنا شاب مقيم في إحدى دول الخليج، أبلغ من العمر 32 عامًا، أعمل في مجال استشاري متخصص، متزوج ولدي أطفال، ووضعي جيد جداً ولله الحمد والمنة.

مشكلتي: أنني ومنذ أكثر من عام أصبحت أشعر بعدم الرغبة والدافعية والهمة في عمل أي شيء، وأتكاسل حتى عن الأمور البسيطة التي توكل إلي في عملي فضلاً عن المهام الكبرى، ولا أشعر بالحماس للقيام بها برغم حبي لعملي وتميزي فيه، إلا أنني أسوّف بالعمل، وأرى أن الوقت المحدد لإنجازه أكثر من كاف، الأمر الذي يجعلني أنجزه -مضطراً- في الساعات الأخيرة من وقته المحدد، والذي يكون أكثر من يومين عادة، وقد حباني الله عز وجل بقدرة وذكاء ملحوظ والحمد لله، -عملي ذهني بحت- ورغم ذلك أُوفق فيه، وأتلقى الإشادة وسط الزملاء والحوافز، علماً بأنني خلال الفترة التي أسوف فيها أكون مشغولاً بأشياء لا تهمني كثيراً، ولا أستفيد منها، وأنشغل بها بصورة محيرة، وألوم نفسي بعدها على تضيع وقتي فيما لا فائدة منه.

كذلك أصبحت انعزاليا بصورة ملحوظة، وهذه مشكلتي الكبرى، ولا أستطيع الاختلاط بالناس أو التواصل معهم، مع وجود رغبة كبيرة لذلك، إلا على مضض، لدرجة أنني أشعر بعدم الرغبة في فتح الرسائل التي تصلني على الجوال فضلاً عن الرد عليها، وإذا اضطررت لفتح أحد تطبيقات التواصل تجدني أهرب منه سريعاً وأغلقه؛ لأنه تنتابني الكثير من مشاعر القلق والخوف دون أن أعرف سبباً محدداً لها، غير أنني أُحب التنزه وحيداً وممارسة الرياضة -الركض أو بناء الأجسام- في أماكن لا يعرفني فيها أحد، خصوصاً من أبناء وطني، ولا أدري ما السبب؟ كما لا توجد لدي مشكلة في التسوق في المحلات الكبيرة أو غيرها، علماً بأننا شعب اجتماعي ومرح، ولكني أظن الغربة وطبيعة الحياة لهما دور فيما حدث، ورغم ذلك كله فأنا محافظٌ على صلاتي وكل عباداتي، ولم أتعاطَ أي مكروهٍ أو محرم في حياتي، ولا أشرب غير الشاي والقهوة باعتدال.

فكرت في مشكلتي كثيراً، وقرأت في موقعكم المبارك المشكلات المشابهة، وصنفت مشكلتي باثنتين (اكتئاب ورهاب اجتماعي)، وقررت في نفسي تناول السيروكسات سي آر بأقل جرعة أو البروزاك، ولكنني ترددت كثيراً، وحقيقة الأمر كان ترددي مصحوباً بخوف من الآثار الجانبية للأدوية، لا سيما عند شرائي للسيروكسات، وقراءة النشرة الداخلية للدواء مما جعلني أرجعه للصيدلية.

أخيراً أرجو دراسة مشكلتي، وإفادتي عنها وعن الأسباب التي يحتمل أنها أدت بي لما أنا فيه، وكذلك العلاج المناسب -سواءً دوائي أو معرفي-، وأتمنى أن يكون بلا آثار جانبية.

علماً بأنني أفضل السيروكسات لما قرأته عنه، كما أحتاج لنصحكم عموما، وجزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ABO MAJED حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الاضطراب الغالب عندك هو الاكتئاب النفسي، الأعراض الرئيسية للاكتئاب النفسي موجودة عندك، من عدم الرغبة والدافعية هي أعراض رئيسية للاكتئاب، والانعزال من الناس أيضًا من أعراض الاكتئاب، ليس عنده رغبة في التواصل مع الناس والمشاركة، ولذلك ينعزل.

أيضًا الاكتئاب النفسي تُوجد به أعراض قلق، بل يُقال أن 30% من الأشخاص المكتئبين توجد عندهم أعراض قلق نفسي.

إذًا التشخيص الذي نميل إليه هو اكتئاب نفسي مع قلق، وأعتقد –والله أعلم– أن الرهاب الاجتماعي ثانوي من الاكتئاب، أي عدم الرغبة في التواصل. هذا من ناحية التشخيص.

العلاج الأمثل لك هو: مضادات الاكتئاب التي أيضًا تُساعد في علاج القلق والرهاب الاجتماعي، من فصيلة أو مجموعة الـ (SSRIS) التي تعمل على زيادة مادة السيروتونين في الدماغ، وطبعًا أتفق معك الـ (بروكستين) أفضل من الفلوكستين/البروزاك، لأن البروكستين مفيد في الاكتئاب والقلق والرهاب، أما البروزاك فمفيد في الاكتئاب والوسواس القهري فقط، ولا يُعالج القلق النفسي.

لا يوجد دواء ليس له آثار جانبية، ومعظم شركات الأدوية تكتب هذه الآثار الجانبية بصورة مفصّلة حماية لنفسها في المقام الأول، من الشكاوي التي قد يقوم بها المرضى في حالة عدم ذكر الآثار الجانبية، ولكننا كأطباء ننظر للآثار الجانبية الخطرة المُهددة للحياة، معظم هذه الآثار الجانبية ليست خطرة ومُهددة للحياة، ولكن قد تكون متعبة ومُقلقة للشخص.

وأهم شيء ننصح به في مادة البروكستين هو أنه في الأيام الأولى قد يُحدث في الشخص غثيان وألم في المعدة، وقد يؤدي أيضًا إلى دوخة، ولذلك نُحبذ استعماله ليلاً بعد الأكل وبجرعة صغيرة.

تناول نصف حبة لمدة عشرة أيام ليلاً، ثم بعد ذلك حبة كاملة، لأن الآثار الجانبية معظمها تكون في الأسبوع الأول، فإذا تناولت جرعة خفيفة ستقل عندك الآثار الجانبية التي تنجم عن تناول الدواء.

الشيء الآخر والمهم: عند التوقف من الباروكستين/ الزيروكسات لا بد من التوقف التدريجي؛ لأن التوقف الفجائي تنتج عنه أعراض انسحابية قد تكون متبعة، ولذلك ننصح باستعماله لمدة ستة أشهر على الأقل، وبعد ذلك يُخفض ربع حبة كل أسبوع، لا يتم التوقف فجأة، إنما يتم التوقف بالتدريج.

ولله الحمد أنك مواظب على الرياضة وعلى الصلاة، وكل هذه الأشياء تعين في الاضطرابات النفسية (الاكتئاب والقلق النفسي)، ولكن لا أدري ما هي ظروف عملك؟ هل هناك ضغط في العمل؟ هل تأخذ إجازة من العمل؟ لأن هذا أمر مهم أيضًا لمحاربة الملل والاكتئاب والسآمة.

الشيء الآخر أيضًا: قد تكون محتاجًا لجلسات نفسية، جلسات نفسية دعمية، أو جلسات نفسية للعلاج السلوكي المعرفي، أيضًا هي مفيدة لعلاج الاكتئاب والرهاب الاجتماعي معًا، ودائمًا يُنصح بالجمع بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي، النتيجة عادةً تكون أفضل من العلاج الدوائي لوحده أو العلاج النفسي لوحده.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً