الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يريد أن يأخذ جزءًا كبيرًا من راتبي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

جزاكم الله خيراً عن هذا الصرح الإسلامي العظيم, أريد النصح والتوجيه منكم.

أنا شاب في مقتبل العمر، أحصل على راتب شهري حوالي 3 آلاف ريال, وأبي يريد مني أن أعطيه من راتبي، وأن أعطيه ليدفع لإخوتي مصاريفهم الجامعية, وأنا شاب ومن حقي أن أتزوج وأن أشتري منزلاً يؤويني، وإذا فعلت ما يريد لن يبقى لي شيئا لذلك, وإذا رفضت ذلك يقول لي أنت عاق وأنا علمتك ولم أقصر معك وأنت صغير, ويغضب غضبا شديدا قد يصل إلى أنه يقاطعني، بالله عليكم ماذا أفعل؟!

أنا في بلد الزواج بتطلب مني مبالغ كثيرة، مع العلم أن وضع أبي المادي سيء في الوقت الحالي، وأنا عرضت عليه أن أعطيه 500 ريال شهريا وأن أدخر الباقي لي, ماذا أفعل أكثر من ذلك؟! وهل غضبه مني في هذا الحال لا يحاسبني الله عليه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالأصل أخي الحبيب هو التعامل مع الوالدين بالإحسان إليهما (وبالوالدين إحسانا)، وهو من مظاهر التقدير والإجلال لهما والرحمة بهما براً بهما وشكراً لمعروفهما، ويشمل كل ما يدخل على نفسيهما البهجة والسرور، ويجلب لهما الخير والمنفعة، ويدفع عنهما الضيق والسوء والشرور مادياً أو معنوياً, وهذا الإنفاق كما هو واجب شرعي، فهو أيضاً واجب أخلاقي، وبه يدفع الله عن العبد المصائب والمحن ويبارك له في الرزق والعمر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من سرّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه. ومعنى (يبسط له في رزقه): كثرته وبركته، ومعنى (ينسأ له في أثره): الزيادة والبركة في عمره.

لكن هذا الوجوب مشروط بأمرين:
1) قدرة الولد على النفقة؛ بأن يكون ماله زائدا عن حاجته من غير ترتب ضرر عليه, لقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) رواه مسلم.
2) وكذا حاجة الوالد إلى النفقة، فإنها واجبة على أولاده عند حاجته بما يكفيه إجماعاً.

وعليه فما دمت تملك أخي العزيز زيادةً من المال على حاجتك, فإن الواجب عليك – أخي الفاضل – أن تبذل منه في مساعدة والديك فيما يكفيهما ويدفع الضرر عنهما في الحاجات الضرورية والأساسية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم: (كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته)، مع توفير مالك في حاجاتك الضرورية للدراسة والزواج ونحوها.

ويستحب أن تساعد إخوانك في مصالح الدراسة ونحوها طاعةً لوالدك وصلة لأرحامك وقياماً بجميل حسن الخُلق، وهو من شأنه تعميق المودة والمحبة والترابط الأسري، تدرك هذا من خلال أن تضع نفسك موضعهم وهو من أصول الأخلاق كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري مسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). ويروى قريبا منه عن عبد الله بن مسعود قوله: (من أحب أن ينصف الله من نفسه فليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه).

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العُرف بين الله والناس.

هذا مع ضرورة أن تلتزم في بذل النفقة خلقين أساسيين:

أولهما: الإخلاص لله تعالى بأن تبذل مالك لهما لوجه الله تعالى.

وثانيهما: الأخلاق بأن يكون هذا البذل من غير منٍّ ولا أذى، مع الاعتذار لهم عن التقصير وتقديم الحجج المقنعة ما أمكن والمعاذير، كيف لا؟ والابن مهما أنفق فلن يبلغ مما قدماه له الوالدان شيئاً يُذكر.

هذا وأسأل الله أن يبارك لك في مالك، ويوسع لك في رزقك، ويدرأ عنك المصائب والمصاعب والمحن, وأن يعينك على بر والديك وصلة أرحامك, ويتقبل منك بذلك وطاعتك, ويزيدك قرباً من الله في تحقيق الإخلاص والأخلاق والذكر والعبادة والدعاء، إنه سميعٌ مجيب قريب غفور رحيم برٌ رؤوفٌ كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً