الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب زوجي وشخصيته السلبية صرت أتحدث مع نفسي بصوت مرتفع!

السؤال

السلام عليكم.

أنتم أملي بعد الله؛ لعجزي المادي عن الذهاب للعيادات.

عمري 24 سنة، متزوجة من قريبي الذي أحبه ويحبني، نعيش ضائقات مادية كثيرة، وزوجي شخصية سلبية ومتحطمة، ويخلط بين عمله وبيته، فصار البيت كله للشكوى وسب المدير وغيره.

صرت أتخيل موقفا مع زوجي أو أهلي أو أهله وأغضب، وأبدأ أتكلم مع نفسي، وأتخيل أني أطالبه بشيء ويرفض، ويبدأ بيننا النقاش، وصرت أحدث نفسي بصوت مرتفع.

وأعاني من عدم التركيز في الدراسة والتشتت، والأرق، وفقدان الشهية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hms حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما تعانين منه أمر مقدر ويسير وفق قضاء الله وقدره كما قال ربنا سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

أقدار الله كلها خير للعبد وإن رآها العبد على خلاف ذلك، فلله الحكمة البالغة، فهو سبحانه أرحم بنا من أمهاتنا وأعلم بمصالحنا منا، والعبد قد يكره شيئا وفيه خير له وقد يحب شيئا وهو شر له، قال جل جلاله وتقدست أسماؤه: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئا وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليا.

ما نزل بالعبد بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، وقد ذكر العلامة ابن القيم: أن من عقوبات الذنوب والمعاصي محق بركة العمر وبركة الرزق، ثم قال: وبالجملة فإنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء} وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط). انتهى بتصرف من كتابه الجواب الكافي.

عليكم أن ترضوا بقضاء الله وقدره، فإن من رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط والجزاء من جنس العمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).

الله عز وجل هو من يقسم الأرزاق بين عبادة كما قال سبحانه: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر كما ورد في الحديث: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.

عليكم بالأسباب الجالبة للرزق ومنها:

أـ تقوى الله تعالى، يقول جل في علاه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ).

ب ـ بر الوالدين، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه).

ت ـ التوبة من الذنوب والمعاصي، وما منا إلا وله ذنوبه، فالذنوب تسبب ضيق الحال وتضيق الرزق، فينبغي على العبد أن يبادر بالاستقامة على أمر الله، فإن من ثمار ذلك بسط الرزق وحلول البركة، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
هنالك أسباب أخرى لجلب الرزق ترينها تحت الرابط الآتي:
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/7768

لا شك أن سلبية الزوج مؤرقة إذ إنه لا يبالي بشيء ويرمي بكل المسئولية على كاهل زوجته، وهنا أضع بين يديك بعض الموجهات علها تنفعك -بإذن الله تعالى-:

- اقتربي منه أكثر وعامليه معاملة المريض واكسبي وده من خلال التفاني في خدمته وحسن العشرة.

- اكتشفي جميع صفاته الإيجابية والسلبية فنمي وعززي الإيجابيات ورتبي السلبيات بحسب الأهمية، وابدئي بمعالجة الأهم فالمهم، واستغلي الأوقات المناسبة لوعظه بالحكمة والرفق، واستنهضي همته ليتحمل مسئوليته في الحياة.

- كلما أراد أن يتحدث معك بشؤون عمله غيري الحديث إلى حديث إيجابي يكون ذا فائدة تعود عليكما.

- ينبغي أن يعلم زوجك أن كثرة مناقشة أمر عمله داخل البيت خلط للأمور ولخبطة للحياة، فالزوج يجب أن يترك عمله خارج البيت ويدخل للبيت كزوج؛ لأن التشكي من المدير لن يغير من حال المدير، فلا قرار في يدك لتغييره ولا لزجره، وقبل أن يلوم مديره ينبغي أن ينظر في الأسباب فلعله مقصر في عمله.

- ينبغي أن يفتح لنفسه آفاقا جديدة في العمل كأن يبحث عن وظيفة أخرى، أن ينظر في قدرته على فتح عمل خاص به إن كان ممكنا.

- افتحي معه أبواب الحوار في الأمور ذات الاهتمام المشترك، والتي تزيد من تفاعله وجعله إيجابيا يتحمل مسئولية بيته.

- تعرفي على نقاط ضعفه التي يمكن أن تعالجيه من خلالها، كالامتناع عن الكلام معه، إن لم تنفع معه النقاط التي ذكرت سابقا؛ لأنه من الواضح أن زوجك يحب أن يتكلم معك ويفضفض لك بهمومه، وهكذا بقية الصفات السلبية، فمنعه من محبوباته وسيلة جيدة للضغط عليه كي يحسن من نفسه ويصحح أساليب نمط عيشه.

- لا تنسي التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي مولاك أن يصلح زوجك وأن يلهمه رشده.

- واضح أن حالك وضغط الحياة عليك أثر في نفسيتك فصرت تخاطبين نفسك وتحاورينها بأمور تهمك، ولكني أنصحك ألا تركزي كثيرا على واقعك، وكوني متفائلة، فالتفاؤل يفتح لك آفاقا وأملا، وكثرة التفكير قد يدخلك في حالة نفسية.

- وثقا صلتكما بالله تعالى، واجتهدا في تقوية إيمانكما من خلال الإكثار من الأعمال الصالحة؛ والزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، وجلب الحياة الطيبة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك).


نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يوفق زوجك للخروج من السلبية، ويجعله فاعلا في الحياة متحملا لمسئوليتها، وأن يسعدك ويفرج همك، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً