الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا أفعل لكي يلين قلبي وأعود لله وأتخلص من تلك الوساوس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أعاني من صراع شديد، وكنت أشاهد المسلسلات وأسمع الأغاني، وكنت لاهية في هذه الدنيا، إلى أن حدث خلل في القناة التي أتابع بها المسلسلات، فبتعدت عن المسلسلات لعدة أيام، واستبدلتها بالبرامج الدينية، وانصلح حال صلاتي، فتركت الأغاني ومسحتها كلها، حتى توفيت إحدى قريباتي، وكانت مقربة لي كثيراً، ولكنني أجد في قلبي قسوة لا يعلم بها إلا الله، فلم أبكِ لموتها، رغم أنني حاولت البكاء، ولم أتأثر بآيات القرآن، ولا المواعظ، وأشعر بوساوس تطاردني من كل جانب، وسواوس بالكفر، وعدم تصديق كلام الله.

أنا في صراع شديد مع ذاتي، فكل ما أقرأ القرآن تأتيني هذه الوساوس، وكل ما فتحت برنامجا للذكر عادت مرة أخرى، فقلت يجب أن أتوب، فترك الذنوب لا يكفي، ولكن قلبي لا يصل إليه الندم الكافي الذي هو من شروط التوبة، ولكنني عازمة على عدم تكرارها، وإذا تذكرت الآخرة تأتيني الوساوس، فماذا أفعل لكي يلين قلبي وأعود لله، وأتخلص من تلك الوساوس؟

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جلال حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، والجواب على ما ذكرت، فأقول بداية:

عليك أن تحمدي الله كثيرا الذي وفقك إلى التوبة وترك المعاصي، وأنت حاليا على خير، وفي الطريق الصحيح، ولا داعي للخوف والقلق، واستمري فيما أنت فيه من الخير من العمل الصالح، ثم ستجدين رقة القلب عند قراءة القرآن وتتاثرين به، وكذلك ستجدين الرقة في القلب عند وفاة من تحبين، فهذه الأمور لا تأتي إلا بالاستمرار على طاعة الله تعالى.

_ وأما مسألة الوسواس الذي يأتي إليك فيريد أن يصدك عن فعل الخير، وعن الإقبال إلى الله، فأقول هذه الوسوسة من أقل مكائد الشيطان على النفس، ويمكن أن تذهب عنك الوسوسة إذا علمتي ما أنصحك به، فيجب أن تعلمي أن من طرق الخلاص من الوسواس بشكل عام، عليك بكثرة الذكر وقراءة القرآن والاستغفار، وحضور مجالس العلم، فإن الذاكر لله تعالى ينصرف عنه الشيطان، وتزول عنه الوسوسة.

قال ابن تيمية: "والوسواس يعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾، [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطْعَ الطريق عليه"، ومن العلاج العام للوسوسة الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصِدق وإخلاص، لكي يُذهِب عنك هذا المرض.

_ أما علاج الوسوسة بشكل خاص: فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري برقم 3276، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله، وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء، من خلق الأرض؟ فيقول: الله ثم ذكر بمثله، وزاد : ورسله"، رواه مسلم برقم 1349.

ويمكن أن نستخلص طريقة علاج الوسواس من هذين الحديثين وذلك بالآتي:

* قولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، عندما يطرأ عليك الوسواس.

* ثم قولي: آمنت بالله ورسوله، أو قل آمنت بالله ورسله.

* اتركي الاستطراد في الوسواس، فلا تلتفتي لما جاء فيه من أفكار وأوهام، واقطعي التفكير فيها، ثم أشغلي نفسك بكل نافع ومفيد.

قال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنه متى لم يلتفتْ لذلك، لم يثبت، بل يَذهَب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأما مَن أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها".

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات