الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصاب بالقلق والوسواس عند العبادة، فما سبب ذلك؟

السؤال

السلام عليكم

أنا مصاب بالوسواس القهري ورهاب الساحة منذ 9 سنوات، ومنذ 3 سنوات أتعالج من هذا البلاء، علما أن مزاجي جيد طوال اليوم والسنة إلا في أوقات العبادات، حيث أشعر بالقلق والوسواس، مرت فترة كنت أعاني الوسواس عند خطبة وصلاة الجمعة، وكذلك أعاني من الحالة في شهر رمضان مع الصوم حيث تنتكس الحالة.

وأنا عاطل عن العمل منذ 3 سنوات، حيث فتحت محلين سوبر ماركت ونجحت لمدة سنة، ثم انتكست، وقمت بشراء مطعم وكان ممتازا، وبعد شهرين انتكس المطعم، وأيضا فتحت محلا جديدا وانتكس، ومحلا آخر وانتكس، وكلها خسارات مادية.

مرضي منعني من العمل، وخصوصا تخصصي في التمريض، لأن بداية الوسواس كان وسواس المرض، ولم أستطع السفر وإكمال الدراسة، كما أن العلاج مكلف.

أعمل في محل يملكه أخي، وراتبي -الحمد لله- محدود، وقد حاولت العمل في مجال الإنترنت، وفشلت كل المحاولات، مع العلم أني كنت أعمل في مجال مباح شرعا.

8 سنوات من الفشل، مع العلم أني ناجح في الدراسة والحياة، لكني سيء الحظ، فأنا مديون وكلما أردت أن أقضي ديني تحدث أمور جديدة، علما أني ملتزم في صلاتي وديني وقراءة القرآن والاستغفار اليومي.

في فترة الانقطاع عن العمل اقترفت الكثير من الذنوب، ولكني تبت منها ولم أرجع لها، وقد تحسن وضعي الصحي لمدة سنتين، لكنها الآن انتكست منذ ثلاثة أشهر، ورغم ذلك لم أتوقف عن الدعاء واللجوء إلى الله، ونيتي صافية، لا أحسد ولا أبغض وأتحلى بالصبر، وأخاف أن يكون كل هذا عقاب من ربي على ذنوبي.

فما الحل يا سماحة الشيخ؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohammad s حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- علاج الوسواس القهري يبدأ بالرغبة الشديدة لديك على الخروج من تلك الحالة المزعجة، وأن تخطو الخطوة الأولى ولا تتراجع بعدها.

- الوسوسة هي من كيد الشيطان ليفسد على المسلم حياته ودينه ويضيق صدره وكيد الشيطان ضعيف كما وصفه الله تعالى، لكن استسلامك للحالة ومجاراتك للشيطان وفتح الحوار معه والأخذ والرد هو الهزيمة الكبرى من قبلك؛ لأن ذلك هو مراده ومقصوده أن تبقى تحاوره وتتعاطى مع وساوسه، وبذلك ينقلك من قضية لأخرى حتى يجعلك تترك عبادة ربك.

- أنصحك أن تعرض عن خواطره حال ورودها عليك وأن تغير المجلس الذي تأتيك وأنت فيه، وتشغل نفسك بأمور أخرى، وتكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، يقول تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

- أكثر من ذكر الله تعالى فإنه يطرد الشيطان، يقول ابن عباس: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).

- نتيجة إصغائك لوساوس الشيطان أوصلتك إلى ترك صلاة الجمعة، وتلك خطورة شديدة ومعصية كبيرة، يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (من ترك ثلاث جمعات طبع الله على قلبه)، ويقول: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين).

- الذنوب والمعاصي من أكبر أسباب الحرمان من الرزق، ففي الحديث: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

- تب إلى الله توبة نصوحا من كل الذنوب التي اقترفتها، وأكثر من الاستغفار، وعليك بالأسباب الجالبة للرزق والتي من أهمها:

1- تقوى الله تعالى، يقول سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ).

2- كثرة الاستغفار، يقول تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

3- التوكل على الله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).

4- صلة الأرحام، يقول عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه).

5- اطلب الدعاء من والديك فإن دعوتهما مستجابة، كما ورد في الحديث الصحيح.

6- أكثر من التضرع بين يدي الله تعالى بالدعاء، وسله أن يشفيك ويذهب عنك ما تجد، ويوسع عليك في رزقك، وعليك المداومة على دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

7- اجتهد في تناسى الحالة التي أنت فيها، فإن تركيز الذهن على الحالة يتسبب في الانتكاسة مرة بعد مرة.

8- لا تستسلم للحالة التي أنت عليها، واعمل بكل الوسائل التي تعينك على الخروج منها، واشغل نفسك بالأعمال النافعة، واجتنب العيش وحدك وعش مع أسرتك فإن الوحدة تدعو إلى استيلاء الوسواس عليك.

9- وثق صلتك بالله واجتهد في تقوية إيمانك من خلال أداء الفرائض، والإكثار من النوافل، وخاصة نوافل الصوم والصلاة وتلاوة القرآن.

10- اعمل بالأسباب في طلب الرزق وتوكل على الله، واحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.

أتمنى أن تجتهد في مواجهة الشيطان، وأن تكون مصرا على الانتصار عليه دون أن تستعمل العقاقير الطبية لما لها من آثار، لكن في حال استمرار الوساوس أنصحك أن تعرض نفسك على الطبيب الذي عالجك أول مرة، وأن تأخذ ما يقرره لك من العلاج، فإن العلاج بالعقاقير نافع -بإذن الله تعالى-.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجد، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً