الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنتابني الوساوس والأفكار فلا أعرف كيف أفكر بشكل صحيح، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، أعاني من وساوس وشك في كل شيء، لم أعد أثق بأحد، لا أستطيع معرفة طريق الحق في هذه الحياة، ما نراه اليوم من قدارات هائلة للتكنولوجيا، والسحر والشعوذة، والأدلة والحجج المغلوطة، لن نستطيع معرفة الحق على السبيل الاجتماعي والديني والمذهبي، وقضايا الأمة الإسلامية، الأمور متشابكة، وكلهم يدعي الحقيقة، أعلم أنه يجب علينا فهم القرآن والسنة بفهم السلف، ولكن لا أعلم من هؤلاء العلماء، لا أعلم من هذه الفرقة الناجية، أرجوكم ساعدوني، كيف الوصول للحقيقة، هل هناك طرق عقلية منطقية، هل هناك كتب تنصحون بها،هل أنا بحاجة لدواء، ما الذي يحصل معي، كيف أفكر بشكل صحيح؟

حياتي توقفت، مشاريعي توقفت، حماسي ذهب، أفيدوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، والجواب على ماذكرت يمكن في الآتي:

_ قولك أنك تعاني من وسواس وشك وعلاج هذا بكثرة ذكر الله تعالى، والمحافظة على الصلاة في وقتها، وأكثر من الاستغفار،
قال ابن تيمية: "والوسواس يعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾، [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطْعَ الطريق عليه".

وعندما يأتيك الوسواس فعليك أن تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قل آمنت بالله ورسوله، أو قل آمنت بالله ورسله، وعليك أن تترك الاستطراد في الوسواس، فلا تلتف لما جاء فيه من أفكار، أو أوهام، واقطع التفكير فيها، ثم اشغل نفسك بكل نافع ومفيد.

قال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنه متى لم يلتفتْ لذلك، لم يثبت، بل يَذهَب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأما مَن أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها".

_ أما قولك" لم أعد أثق بأحد" فهذا خطأ كبير أن تفقد الثقة في كل الناس، فالناس منهم الصالح ومنهم الطالح، وليسوا سواء، فعليك أن تثق بمن هو صالح من العلماء والدعاة والصالحين، فعليك أن تحسن الظن باخوانك الصالحين وتثق بهم، ولا تجعلهم مثل غيرهم من الكفار والفساق.

_ وأما قولك" لا أستطيع معرفة طريق الحق في هذه الحياة" فالواجب عن هذا يمكن أن أدلك على كلام نفيس للعلامة ابن
رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: "فلا تكن من الممترين" قاعدة مهمة فقال: (وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى {فماذا بعد الحق إلا الضلال}، وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه)، تفسير ابن سعدي (١/ ١٣٣)
فعليك الالتزام بما جاء في نصوص الشرع في الكتاب والسنة، وبفهم سلف الأمة من الصحابة، ومن سار على نهجهم، ولا تستمع لما يقال من شبهات من أعداء الإسلام من الدجالين والمشعوذين، فإنه ليس لديك من العلم الكافي ما يمكنك من رد تلك الشبهات، وحتى لا تؤثر عليك تلك الشبهات فيجب عليك شرعا أن لا تستمع لها أو تجالس من يدعو لها.

_ وأما قولك " كلهم يدعي الحقيقة" فالواجب عن هذا أن الحق له ميزان يعرف به فما وافق ديننا الحنيف وشرعنا فهو حق، وما كان مخالفا فهو باطل، وإن ادعى أصحابه أنهم يملكون الحقيقة، فهي مجرد دعوى كاذبة فاليهود أدعو أنهم على الحق، وكذلك النصارى، وقد بين الله ظلالهم في القرآن الكريم، وهكذا في زماننا هناك من يدعي أنه على الحق، واذا نظرت إلى حاله وسلوكه وجدته عاص لله تعالى، ولديه أفكار هدامة منحرفة.

_ أما سؤالك عن العلماء الذين يؤخذ عنهم العلم، فلا شك أن العلماء معروفون في كل زمان، وإذا نظرت وسألت من حولك لدلوك على العلماء الذين لديهم تقوى الله، ويعملون بعلمهم، ولهم تدين ظاهر، وسمت حسن.

_ أما الكتب التي ننصح بقراءتها: فيمكن أن تقرأ مباديء الإسلام لأبي الأعلى المودودي -رحمه الله-، وكذلك كتاب الجواب الكافي لابن القيم رحمه الله، وكذلك كتاب لا إله إلا الله منهج حياة لمحمد قطب، وغيرها من الكتب.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً