الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أتذكر في طفولتي إلا المساوئ ومواقف الخوف.. هل هذا سبب توتري حاليا؟

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي أنني لا أتذكر في طفولتي إلا المساوئ ، تحديداً المواقف التي شعرت فيها بخوف.

أنا الآن عمري 22 سنة، عند جلوسي مع الأشخاص لا أعرف كيف أتحدث، فأشعر وكأنهم يملون من الجلوس معي، وفي بعض الحالات أتوتر عند التحدث.

هل ما أمر به الآن هو بفعل ما مررتُ به في طفولتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ديمة محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, ولا شك أن كتابتك للرسالة دليل على توفر القوة لديك والحرص على التخلص من مشكلتك وآلامك وعدم استسلامك لحالة الحزن لديك, وهو مؤشر جيد وبداية الشفاء بإذن الله تعالى.

- في البداية.. أحب أن أبشرك – أختي العزيزة – أن ما تعانينه – سلمك الله وعافاك – من مشاعر الحزن والضيق والاكتئاب بسبب تذكُّر آلام الماضي, إنما هي مسألة وقت سرعان ما ستنسيها بعامل الزمن والأحداث الجديدة والتي يُنسي بعضها بعضاً، لا سيما وأنك في مقتبل العمر -بفضل الله تعالى عليك- ولما لا يخفى من أن الله تعالى قد من الله على الإنسان بنعمة النسيان.

- تذكّري أن الماضي – كما هو معلوم عقلاً – قد ولّى بكل مراراته, وعليه فإن التفكير فيه لغو وسَفَه وعبث, ومن الواجب على العاقل عدم الالتفات إليه وجعله وراء ظهره, فتذكّره من نقصان العقل وعدم الرضا بالقضاء والقدر, ومن المعلوم أنه لا يمكن استدراك ما فات, فلمَ التعب في تذكر آلامه؟
"ما مضى فات, والمؤمّل غيب *** ولك الساعة التي أنت فيها".

- فالواجب عليك الحرص على مجاهدة النفس في التغافل والنسيان لما في الماضي من أحزان, وأن هذا التذكُّر والاستحضار مخالف لمقتضى العقل والحكمة, فإن الإنسان ابن وقته وساعته, وتذكُّر آلام الماضي لا ينفعه بل يضرُّه.

- احرصي على الابتعاد والتجنب للأسباب التي تسهم في تذكيرك بهذا الماضي الأليم من أشخاص أو بيئة ونحوهما, واعلمي أن عدوّنا على الحقيقة كثيراً ما يكون هو أنفسنا التي بين جنبينا, والتي تحرص على فتح الجروح وتحب اللعب بدور الضحيّة والشعور بالضعف والحزن والمظلومية.

- احذري من الفراغ, واحرصي على شغل النفس والوقت بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في دينك ودنياك, من لزوم الذكر والاستغفار والاستعاذة من الشيطان الرجيم والطاعة وقراءة القرآن والقراءة والاطلاع والرياضة والدراسة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, فنظمي وقتك واملئيه بالعمل، والزمي الأصدقاء الذين يساندونك حين الأزمات , واحرصي على خلق صداقات جديدة صالحة وواعية وعاقلة.

- تصالحي مع الماضي بتذكُّر ذكرياته الجميلة والاحتفاظ بها في صدرك وعقلك وواقعك, وتصالحي مع ذكرياتك المؤلمة بالاستفادة من آلام الماضي بأخذ الدرس والعِبرة وتصحيح الأخطاء, فحاولي أن تتعلمي من ماضيك وأخطائك واستعدي للمستقبل وانشغلي بالواقع الذي تعيشينه وارسمي الخطط لمستقبلك على ضوء واقعك وتجاربك واخلقي لنفسك الأجواء التي تحقق لك السعادة بما تعلمينه مما يدخل عليك الراحة والسرور كالقراءة والنزهة والرياضة وزيارة الأهل والأصدقاء والبرامج المفيدة والمسلية.

- احرصي على كتمان ماضيك من أسرار وأخبار مؤلمة؛ منعاً من تجديد الأحزان أو استغلال البعض في الإساءة وسوء الفهم, ولا مانع عند اللزوم من البوح إلى من تثقين بها في النُصح والمشورة والأمانة, لما يُعلم من أن "الكبت يولّد الانفجار" فربما كان من المفيد تفريغ الشحنات السلبية والذكريات المؤلمة إلى شخص فحسب من أهل الثقة والمروءة والأمانة, قال تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم).

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ ** يواسيك أو يسليك أو يتوجعُ

- ضرورة الحذر – أختي الفاضلة – من العزلة, حيث ولا شك أنها تعّمّق من المشكلة الصحية والنفسية, حيث وإن الإنسان مدني بطبعه, بمعنى أنه لا ينفصل عن محيطه ومجتمعه خلافاً للوحوش في البرية سلمك الله وعافاك.

- ومن المهم عند اللزوم من مراجعة طبيبة نفسية مختصة, وقد صح في الحديث: (ما أنزل داء إلا جعل له دواءً), وكذا بالتواصل الاجتماعي وتطوير الذات مهارياً وثقافياً وبالترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان, وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل, وإدراك أن الحياة قليلة, فهي لا تستحق هذه المبالغة في القلق والأحزان.

- ضرورة مجاهدة النفس بالتركيز منك على حياتك وواقعك ومستقبلك ودينك ودنياك بإيجابية وفاعلية وتوازن واعتدال, واعلمي أن علاجك بعد مشيئة الله وتوفيقه يرجع إلى إرادتك, فتحلّي بحسن الظن بالله وبقوّة الإرادة وتعزيز الثقة بالنفس والقدرة على التغيير, قال تعالى: (إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم), وكما يقال في المثل : "المرء حيث يضع نفسه".

"وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ".

- احرصي على إلزام النفس بالتغافل والتناسي للماضي بكل سلبياته, والتعاطي مع الواقع بكل إيجابياته.

- ولا أجمل وأفضل من اللجوء إلى الله تعالى والإلحاح عليه بالدعاء, والحرص على التماس أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات ودعاء الوالدين.

- فرج الله همك وكشف غمك وشرح صدرك ويسر أمرك, ووفقك لكل خير وشفاك وعافاك, وألهمك الصبر والثبات والهدى والرشاد, ورزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً