الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مترددة في الزواج بسبب الفارق الاجتماعي والمادي بيننا

السؤال

السلام عليكم.

أحتاج إلى استشارة في موضوع الزواج، أنا طبيبة أبلغ من العمر ٢٦ سنة، رزقني الله بكثير من النعم، ودرجة هائلة من الجمال، ومتسع من الرزق -ولله الحمد- يتقدم لخطبتي الكثيرون ولكن لم يحدث نصيب، رزقني الله أيضا بحب شاب من أقاربي يحبني لدرجة كبيرة ويتمنى الزواج مني، ولكني أرى دائما أنه أقل مني ولا يمكنني العيش معه، لا أعلم لماذا أتخيل حياتي معه جحيما، كلما تخيلت فقط، مع أن حبه الشديد يثبت عكس ذلك.

أنا -ولله الحمد- محافظة على الصلاة، وهو لم يكن كذلك، ولكنه إرضاءً لله ثم لي بدأ يصلي، فهل رفضي له يعتبر رفضاً لنعمة الله؟ وهل تعلقه بي يعتبر ذنبا في رقبتي؟ لأنني أيضاً أكنّ له مشاعر طيبة، لكن أقل مما يكنّ هو لي، هذا بالإضافة إلى أن أمي ترفضه تماما، لأنه أقل مني في كل شيء، ماديا واجتماعيا ووظيفيا، وهو يعلم أني أشعر بذلك، وكثيرا ما يغضب، أفيدوني أفادكم الله، لأنه موضوع مؤرق، فأنا أقبل حبه ولا أقبل الزواج منه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ nona حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك، وردا على استشارتك أقول: إن الزواج رزق من الله تعالى يسير وفق ما قضاه الله وقدره، لا يتخلف عن ذلك أبدا، يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة، فمن كان من نصيبك فسوف تتمكنين من الزواج به، وإن وقف الجميع في وجهك، ومن ليس من نصيبك فلن تتمكني من الزواج به وإن أنفقت كنوز الدنيا.

الزواج مشروع العمر وليس مشروعا مؤقتا، ولذلك ينبغي عليك أن تتأني فيه ولا تتعجلي، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (التأني من الله والعجلة من الشيطان) ويقال في المثل: (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة).

احرصي كل الحرص على توفر الصفات المطلوب توفرها في شريك الحياة، وأهمها الدين والخلق، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.

الأمور المادية والاجتماعية والوظيفية ينظر إليها عامة الناس، وليس الطبقة المتعلمة، فليست عائقا أمام الزواج طالما والعادات والتقاليد واحدة، وكان الزوج يتفهم وضعك ويقدر مشاعرك ويتفانى في إسعادك، وقادر على بناء أسرة والإنفاق عليها، ويمكن أن تساعديه في الأمور المادية، والأرزاق بيد الله، ولا اعتراض على ذلك، وهنا يظهر التكامل بين الناس، فهذا طبيب وهذا مساعده، وذاك مخبري والآخر كاتب، وهكذا.

كثرة رد الخطاب ليس من صالحك -أختنا الكريمة- ولكني أنصحك دائما بعد أن تتيقني من توفر الصفات المطلوبة، أن تصلي صلاة الاستخارة وتدعي بالدعاء المأثور، وتوكلي الأمر لله تعالى يختار لك ما فيه الخير، فإن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، ومن ثم تبدين موافقتك، فإن سارت الأمور بيسر وسهولة واتفقتم على كل شيء، فهذا يعني أن الله قد اختاره ليكون زوجا لك، وإن تعسرت الأمور وانسدت الأبواب فذلك دليل أن الله صرفه عنك.

الحب الشديد لك من قبل هذا الشاب لا يدرى ما سببه، فقد يكون طمعا بالمال، وقد يكون طلبا لجمالك، وقد يكونا معا، والمفترض أن يكون السبب الأول هو توفر الخلق والدين، يضاف إلى ذلك أنه لم يكن يصلي من قبل، وإنما بدأ بذلك حين عزم على التقدم لك، وأنا هنا لا أتدخل في نيته لكن الذي أخشى منه أن يعود لترك الصلاة بعد أن يتحقق مطلبه، كون ذلك الأمر لم يكن متجذرا في قلبه ومن هنا قد تبدأ المشاكل بينكما.

تعلقه بك ليس ذنبا في رقبتك، فهذا أمر يخصه، فقد يتعلق بك من ليس ملتزما بالمرة، ولا يجوز لك في تلك الحال القبول به.

لست كبيرة لدرجة أن تخافي العنوسة، فإن كنت ترين أن الصفات المطلوبة غير متوفرة في هذا الشاب أو تتخوفين منه، أو أنك لا تحبينه، فرفضه ليس رفضا لنعمة الله، فالمقصد من الزواج هو حصول السكن النفسي، والسكن النفسي لا يحصل إلا بالانسجام والحب من الطرفين.

وثقي صلتك بالله أكثر، واجتهدي في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح، فبالإيمان والعمل الصالح تستجلب الحياة الطيبة يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗأَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عيه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

من فوائد كثرة الاستغفار جلب الرزق، والقوة الحسية والمعنوية للأبدان، قال الله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ) وقال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يوفقك ويرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات