الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي عديم الاهتمام والاحترام والمسؤولية، فكيف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متزوجة منذ سنتين، مشاكلي مع زوجي كثيرة، بدأت قبل الزواج بشهر، وتزداد حدة في كل يوم، منها عدم الاهتمام، وعدم الاحترام، وعدم تحمل المسؤولية، وسوء الظن بي وبأهلي خاصة أمي التي لم يسبق له وأن عاش معها حتى يحكم عليها.

لقد حاولت الطلاق مراراً وتكراراً وهو يرفض، ورفضه ليس حباً لي، وحقيقة أني لست متأكدة من أن تفكيري بالسبب صحيح، ولكن دائماً أبرر رفضه للطلاق لأني في أمريكا وهو يتمنى دخولها، ومعاملة الفيزة جارية.

لدي طفل منه عمره سنة، لم أشعر باهتمامه به وكأنه ليس ابنه وأول فرحته، قلبي أصبح يؤلمني وحزينة جداً؛ لأن حياتي معه جحيم وغير مريحة، لم أعش معه إلا ثمانية أشهر، وفي هذه الأشهر لم أر منه إلا القهر والذل والمهانة.

ومنذ سنة ونصف وأنا عند أهلي في دولة أخرى، أنا إنسانة حساسة وعاطفية، وهو جاف المشاعر ولا يهمه إلا الحصول على المزيد من المشاريع والمال، يرفض الإنفاق علي تماماً ويستصعب رجوعي إليه بسبب تذاكر السفر وفتح البيت وأخذ المسؤولية.

مستعدة أن أنتظر لكن لا يكاد يمر شهر إلا وقد دخلنا في ثلاث أو أربع مشكلات، وكثيراً ما يجرحني بكلامه وينكد علي حياتي، فهو يمنعني من العيش بحرية كالذهاب لصديقاتي، يريدني أن أسمع كلامه بالحرف وهو لا يعاملني كزوجة أبداً.

أنعم الله عليه بالمال ولكنه لا يعطيني إلا بعد أن ندخل في مشكلة، ولا حتى يقضي معي أقل القليل من وقته، علماً أنه يصرف على أهله وإخوانه وأسر إخوانه، ودائم التواصل مع إخوانه وزوج أخته، وأنا يقول لي مشغول ولا يتفرغ لي أبداً.

أخبرته بمدى صعوبة الوضع وأني لم أعد أستطع الصبر على هذا الحال، أصبحت سريعة الغضب، تعبت جداً، أنا أحبه ولكن أريد الخلاص من الوضع الذي أنا فيه، فلا حيلة لي في تغيير أي شيء في الموضوع لعدم قدرتي لمكالمته أو المواجهة معه.

لم أعد أدري ما يجب علي فعله!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أختنا الفاضلة، وردا على استشارتك أقول:

فيبدو من خلال استشارتك أنكم تعجلتم بقبول هذا الشخص كشريك لحياتك، وأنكم لم تنظروا إلى الدوافع التي جعلته يتقدم لك، فأنت تدركين أن لكل -امرئ- ما نوى والسلوكيات تنبني على نية كل شخص، وتتضح تلك النوايا من خلال التصرفات، فتصرفات المحب غير تصرفات من يريد قضاء حاجة ثم ينصرف إلى وجهته!

اتضح لي من خلال استشارتك أنك حاصلة على الجنسية الأمريكية، وأن زوجك طمع في ذلك من أجل أن تدخليه إلى أمريكا، وهذا في الحقيقة إن ثبتت فهي نية سيئة قد يكون نهاية الزواج بمجرد تحقق المصلحة التي طمع فيها هذا الرجل، كما قد حصل في كثير من الحالات.

ينبغي أن يكون الاحترام قائما بين الزوج وأسرة الزوجة؛ لأن هؤلاء هم أصهاره، وأجداد وأخوال أبنائه، فأي قدح يؤثر على سمعتهم سيؤثر سلبا على سمعته هو وعلى سمعة أسرته.

العلاقة الزوجية قائمة على تبادل الثقة، وأي اختلال في هذا الجانب يهز كيان الأسرة ويؤدي إلى تفككها.

لا يكون الطلاق حلا إلا بعد أن تستنفد كل الحلول ووصلت الحياة إلى حد عدم القدرة على التعايش بين الزوجين.

الحياة ليست في جمع المال فقط، فمن كان ذلك حاله فهو عابد للدرهم والدينار، فالحياة توازن بين الروح والجسد والدنيا، وتركيز الإنسان على واحدة من هذه يعني اختلال حياته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك - ضيفك - عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه).

يجب على الزوج أن ينفق على زوجته وأبنائه، فالنفقة من جملة الصفات التي أهلت الرجل للقوامة على المرأة كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ).

اطلبوا منه مصاريف المدة السابقة، فهذا من حقكم وكبادرة على حسن مقصده ونيته؛ سننظر في رده.

تواصلي معه واطلبي منه المصاريف وقولي له إنك وولدك بحاجة للمصاريف ما لم فأخبريه بأنك سوف تتواصلين مع والديه.

لا شك أن المرأة بحاجة لإشباع عواطفها قبل إشباع بطنها، فالاهتمام بالعاطفة مهم للغاية لدى المرأة، ولذلك قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚفَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).

صحيح أنه يجب على المرأة ألا تخرج من بيت زوجها هذا إن كان قد فتح لك بيتا، وعليك أن تستأذني منه إذنا عاما، خاصة إذا كان بعيدا عنك؛ بحيث يعطيك إذنا بالخروج إلى بيوت معينة دون الرجوع إليه، ولا ينبغي للزوج أن يشق على زوجته وإلا كان الجزاء من جنس العمل، كما قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم من ولّي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن ولّي من أمر أمتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقق عليه).

لا أدري إن كنت سافرت بتنسيقٍ ورضىً منه أم أنك سافرت من غير إذنه، فإن كنت سافرت بتنسيق منه وإذن فمن حقك أن تستوفي منه كامل حقوقك.

لا بد أن تتفقي معه على مصاريف شهرية محددة ترسل لك شهريا دون أن تحدث بينكما أي مشاكل.

لا بد أن تتفقي معه على لزوم اعتماد الحوار البناء في حلِّ أي إشكال قد يحدث بينكما، فالزواج ليس أوامر عسكرية لا بد أن تنفذ بدون اعتراض، وعليك أن تغضي الطرف عن بعض التصرفات، فالمحاسبة الشديدة لا تؤدي إلى نتائج إيجابية بل سلبية.

إن رفض ذلك فأنصح أن توقفوا معاملة الفيزة، وأن تختاروا حكما من طرفكم وهو يختار حكما من طرفه لحل الإشكال القائم، فإن اتفقتم وسارت أموركم في تحسن بعد مدة تجربة فلا مانع حينئذ من إكمال المعاملة.

أوصيك بالصبر والتأني حتى لا تتخذي قرارا بتعجلٍ فتندمي على ذلك، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (التأني من الله والعجلة من الشيطان).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

وثقي صلتك بالله تعالى، واجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، خاصة وأنت في غربة، وربما في بلد فيه التحلل هو الشائع، فالحياة الطيبة لا تستجلب إلا بالإيمان والعمل الصالح، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗأَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

كوني على يقين أن ما قدّره الله سيكون، وأن أقداره كلها خير للإنسان مهما كان مكروها، يقول تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖوَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗوَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً