الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا في حيرة في أن أتصدق بمالي مع حاجتي له!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، عمري 18، تعلمت في هذا العمر أن المال الذي أتصدق به يرجع إلي أضعافا مضاعفة، والآن تحصلت على مبلغ بسيط من المال (550 دينار) وأتمنى بشدة أن أتصدق منه، ولكنني أحتاجه بكامله، أعلم أن هناك فقراء أحوج مني له! وأنا أحوج للحسنات والأجر من الله، وآمل أن يتقوى إيماني حتى أتصدق وأترك طمع الدنيا، أو أقتنع أن أحتفظ به دون تأنيب الضمير -علما بأني سأستخدمه فيما ينفعني-.

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة متفائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد .. وبعد:

بداية أهنئك على ما حباك الله من نعمة (حب الصدقة) ولا شك أنها علامة على حسن دين وخلق ورحمة, وقد صح في الحديث: (الصدقة برهان) أي أنها دليل عملي على إيمان صاحبها؛ وذلك لعظيم تعلق النفوس بالمال (وتحبون المال حُباً جمّا)، (وإنه لحب الخير لشديد) بل لدرجة حب تجميعه وتكديسه ولو بلغ (والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة).

إلا أن من الجدير التنبه له من فقه الصدقة، إدراك أولويات الأعمال, فالصدقة على النفس أولى، ثم على المحتاجين من الأولاد، والوالدين، والأهل، والأقارب، والأرحام, وفي الحديث: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبهما كما يربي أحدكم فلوَّه حتى تكون مثل الجبل) وغيرهم, وكذا كلما كانت الجهة أحوج وأعلم نفعاً وأعظم أثراً فهو أفضل كمصالح العلم والدعوة, وصح قوله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها, فإن فضل شيء فلأهلك, فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك, فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) رواه مسلم.

فإذا عجزت عن البذل فاعلمي أن الله يثيبك على قدر همتك ونيتك الحسنة, كما صح في الحديث في حق من يغبط أصحاب الخير والصدقة، فهو يتمنى أن يفعل فعلهم: (فهو بنيته فأجراهما سواء)، (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم.

وعليه فالذي أنصحك به هو الثبات على هذه النية الطيبة، والبدء بمصالح نفسك الحاجية والضرورية، لاسيما وأن ظروفك المادية ليست بصورة مثلى, مع أهمية الصدقة لنفسك، ثم للمحتاجين من الأهل، ثم الآخرين بحسب استطاعتك، وليس شرطا أن تكون الصدقة بكامل المال أو نصفه، بل حتى لو بجزء بسيط كي يعوّد الواحد فينا نفسه على الصدقة والبذل، ولو بالشيء البسيط، وثقي بأن الله يعطيك الأجر كاملاً.

كما أن الصدقة لا تنحصر في المال، بل تشمل كل أفعال الخير القولية والعملية أيضاً بالمعنى العام, كبذل العلم، والدعوة، والنصيحة، والخدمة، والتعاون، فعن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة, وكل تحميدة صدقة, وكل تهليلة صدقة, ونهي عن المنكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) رواه مسلم.

كما وأوصيك بلزوم الطاعة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، وطلب العلم، ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة، ولزوم الصحبة الطيبة الصالحة والدعاء.

أسأل الله أن ييسر أمرك، ويشرح للخير صدرك، ويرزقك الثبات والتوفيق والقبول والنجاح في حياتك عامة وسعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات