الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعوت الله كثيرًا بأن أحمل بطفل ولم يتحقق لي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم
وشكراً لموقعكم الأكثر من مميز.

سؤالي: أنا أم لطفل بعمر ثلاث سنوات ونصف، منذ أن وصل عمر طفلي عاما ونصفا أحاول الحمل، ولم يجدِ الموضوع، رغم زيارتي أنا وزوجي مرات كثيرة للمشفى وأخذ الأدوية اللازمة وما إلى ذلك.

تعبت نفسياً كثيراً في الآونة الأخيرة، وكنت أظل أياما أبكي، فقررت حالياً أن أحمد الله على ولدي وأهتم بهذه النعمة، وأترك التفكير في الحمل مرة أخرى، وهذا الشيء أراحني نفسياً كثيراً.

كنت أدعو الله بالحمل في كل صلاة، وأريد أن أتوقف الآن ليس لأي سبب لكن لأني لا أريد التفكير في هذا الموضوع، والدعاء يجعلني أفكر فيه بكثرة؛ لأني أذكر الموضوع مع كل صلاة، فهل هذه إساءة أدب مع الله أم لا بأس بذلك؟

وأمر آخر هو أني الحمد لله إنسانة أرى حياتي كما كنت أتمنى، وكل شيء اللهم لك الحمد في حياتي جيد من: أسرتي، وزوجي، وولدي، وبيتي، وراضية بكل ما أملك، لا أريد زيادة ولا نقصانا، أريد تمام هذه النعمة علينا، ويقول الله تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم).

كيف أشكر الله على هذه النعم العظيمة بشكل جيد، وأريد تفصيلاً ونقاطاً موضحة بذلك.

جزاكم الله خيراً، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمجاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في موقعنا، ونسأل الله أن يزرقك الذرية الصالحة، والجواب على ما ذكرت.

بداية بما أنه ليس لديك ما يمنع من الحمل ولا يوجد مرض عضوي يمنع ذلك، فالحمل يمكن أن يكون في أي وقت -إن شاء الله-، فأرجو التفاؤل ولا تيأسي من رحمة الله تعالى.

وعليك ببذل الأسباب الشرعية للإنجاب، والتي منها:
* الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، ولك أسوة بنبي الله زكريا عليه السلام، حيث دعا بما أخبر الله عنه: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"، فرزقه الله بولده يحيي وهو كبير في سنه، وامرأته قد بلغت سن اليأس.

* أكثري من الاستغفار في كل وقت، قال تعالى حاكيا عما قال نوح عليه السلام لقومه: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا"، فكثرة الاستغفار جالبة للمطر، ودافعة للفقر، وعلاج للعقم.

* ويمكن أيضا أن يتناول زوجك وأنت معه بعض الأطعمة القوية مثل العسل الطبيعي يخلط معه غذاء ملكة النحل، والزبيب، ونحو ذلك، فهذا له أثره -بإذن الله- في الحمل.

وأما مسألة الدعاء والإكثار منه فإن الدعاء عبادة عظيمة، قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، قَالَ رَبُّكُمُ: { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ". رواه أبو داود.

وحتى يستجيب الله دعاءنا لا بد من تحقيق شروط الدعاء، من قوة الإيمان وحسن العبادة، والحذر من موانع الإجابة من التعجل في الإجابة، أو الدعاء بقلب غافل غير حاضر، أو أكل المال الحرام، ويمكن أن تراجعي كتب أهل العلم في ذلك.

وليس من إساءة الأدب كثرة الدعاء بأن يرزقك الله الولد، ولا بأس من الاستمرار في الدعاء، لأننا لا نعلم متى يستجيب الله لنا، ثم إنه إذا لم يحصل إجابة الدعاء، فإن لك أجرا في الآخرة، ولك أيضا أن يصرف الله عنك سوءا كان يمكن أن يقع، ولكن صرفه عنك بسبب الدعاء، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا"، قَالُوا: إِذَنْ نُكْثِرَ، قَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ". إذن استمري بالدعاء، كما قال الصحابة إذن نكثر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكثر"، ولكن لا تجعلي الهم والحزن واليأس يتسلل إلى قلبك، بل ادعي الله وأنت موقنة بالإجابة، وأحسني الظن بالله، وفوضي الأمر له، والله رحيم لطيف بعباده.

وأنا أحيي فيك أنك راضية بقضاء الله وقدره، فعليك أيضا بالمزيد من الصبر، وبذل المحاولات في العلاج الطبيعي، فإذا قدر الله ولم يحصل لك أي إنجاب آخر فلست وحدك في هذا العالم، فهناك من لم يولد له مطلقا، ويكفي أن معك مولودا من قبل أصلحه الله، وباحتسابك الأجر من الله يعوضك الله خيرا في الدنيا والآخرة.

وأما سؤالك عن كيفية شكر النعم: فلا شك أن نعم الله علينا عظيمة وكثيرة لا تحصى، قال تعالى: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، وقليل من الناس من يفكر في شكرها، ولا شك أن الشكر لله على النعم عبادة لله تعالى، وأيضا حتى تدوم علينا النعم ونحصل على ما فيها من بركة وخير.

ومما يمكن أن يعينك على شكر النعم:
1. التأمل في نعم الله، واستحضارها في كل لحظة وحين، وعدم الغفلة عنها.

2. عدم احتقار ما عندنا من النعم، فعلى كل واحد منا أن ينظر إلى من هو أسفل منه حتى يعلم فضل نعم الله عليه.

3. أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يسأله يوم القيامة عن شكر هذه النعم، هل قام بذلك أو قصر؟

4. شكر هذه النعم بالقلب بالإقرار لله بها وأنه المتفضل علينا، وبالقول باللهج بالحمد لله والشكر له، وبالفعل باستعمال تلك النعم في طاعة الله تعالى، قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}، وقال أيضًا: {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.

5. الحذر من الذنوب والخطايا فإنها مذهبة النعم، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.

إذا كُنْتَ في نِعْمَة فَارْعَهَا ... فإن المعَاصِي تزيلُ النعم
وحُطْها بطاعَةِ ربِ العبادِ ... فَرَبُّ العبَادِ سَرِيعُ النقم.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً