الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضعف الشخصية والثقة بالنفس نتيجة فقد الأم في وقت مبكر وكيفية تجاوز ذلك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد:

أكتب رسالتي إليكم بعد أن اطلعت على الكثير من المشاكل النفسية التي أرسلها العديد من الأشخاص إليكم لحلها، فرأيت آراءكم واستشارتكم التي اطمأننت لها، ودفعتني بالتالي لإرسال مشكلتي إليكم، راجيةً من الله أن تكونوا سبباً في حلها، اللهم آمين.

كنت آخر طفل في أسرتي أو آخر العنقود كما يقولون، وكنت مرتبطة بأمي بشكل كبير، فقد كانت صديقتي وأمي وأختي وكل شيء في حياتي، على الرغم من وجود 7 أخوات وأخ واحد لدي، إلا أنني كنت أراهم أشخاصاً غريبين علي، وكأنهم ضيوف يعيشون معنا أياماً معدودة ويرحلون، وهكذا نشأت بعيدة عنهم وأنا أعيش معهم في بيت واحد! وأصبحت أرى حياتي كلها من منظار أمي فقط ولا أعرف في هذه الدنيا غيرها، ولا أتنفس سوى عطرها، أما أبي فقد كان عمله يجبره على الغياب عنا لمدة شهرين ثم يزورنا لمدة أسبوع واحد ثم يرحل لمواصلة عمله، لذلك لم يكن له وجود في حياتي، بل لا أحسه أباً لي، فقد كان في الأيام التي يزورنا فيها يتشاجر مع أمي، فأشعر بالخوف.

شيئاً فشيئا أصبحت لا أحس بالأمن والخوف من مواجهة أي مشكلة إلى يومنا هذا، وعندما وصلت إلى سن الـ11 سنة توفيت والدتي، فأحسست بأني وحيدة في هذا العالم، وأن الإنسان الذي كنت أحيا معه ويعيش في وجداني وكياني قد رحل، حتى تولت إحدى أخواتي تربيتي وبدأت بتوجيهي إلى الطريق الصحيح في عيش حياتي، إلا أن أموراً كثيرة ما زالت مترسبة في نفسي لا أستطيع حتى الآن التخلص منها، وسأذكرها في نقاط:

1- الإحساس بعدم الأمن وحاجتي إلى الأب الذي يحتويني ويضمني، خصوصاً وأنه تزوج بعد والدتي مباشرة وأنجب منها طفلة، وقد أصبحت زوجته الجديدة هي كل حياته، وأصبح هو كهلاً عجوزاً ولا أستطيع أن أطالبه بحاجاتي الرئيسة.

2- الغيرة الشديدة التي أشعر بها تجاه أختي الصغرى (أختي من أبي) لشعوري أنها سرقت الأضواء مني، فقد كان قبلها البيت كله يهتم لوضعي وحالي وكل أموري من بداية استيقاظي وحتى نومي...إلى هذه الدرجة! ووجود فاصل بيني وبينها قرابة ال16 عاماً، ومحاولتي الاقتراب لأختي التي ربتني وأشعر الآن بأنها في مقام أمي، فهذا يزيد من غيرتي تجاهها، وعلى الرغم من محاولاتي تجاهل هذه الغيرة وحلها ومحاولة التميز في حياتي (وفعلاً تميزت في الدراسة وأصبحت الأولى على طالبات كليتي) إلا أنني فشلت في القضاء على هذه الغيرة.

3- عدم قدرتي على مواجهة المشكلات وذوي الألسنة البذيئة، وهذا أمر يؤرقني أيضاً؛ لأنني سأقدم على وظيفة التدريس، وأخشى من بعض الطالبات ذوات الألسنة البذيئة التي لا أستطيع ردها ولا مواجهتها.

4- كنت أتميز بقدرة كبيرة على الحفظ وتذكر الأماكن والأحداث، ولكنني أصبحت أنسى الأشياء وأعاني من شيء كبير يجثم على رأسي، وكأن كل مشاكل التفكك الأسري وعدم القدرة على التواصل بين جميع أفراد الأسرة كبالون كبير يملأ رأسي، ويضغط علي.

5- أحس أن بداخلي طاقة كبيرة وإبداعاً مميزاً مكبوتاً في صدري، ولكن الواقع الذي أعيشه يمنعني من إخراجه، إلى درجة أنني أرغب في أحيان كثيرة أن أصرخ في صحراء واسعة، أصرخ في كل أسرتي لأخرج كل الضغط الذي يملؤني.

6- أريد أن أغير من حياتي ومن شخصيتي، ولكن كلّما حاولت ذلك فإن عزيمتي تضعف وتخور قواي.

7- أعاني من الملل الشديد، فكلما حاولت أن أعمل عملاً أتحمس له في البداية، وعند البدء به سرعان ما تفتر عزيمتي وأترك ما بدأت به.

أنا إنسانة طموحة وأحب الإبداع والتميز في كل حياتي، إلا أنني لا أجد متنفساً لذلك.

آسفة لأني أطلت عليكم برسالتي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

جزاك الله خيراً على سؤالك، ونحن سنكون لك بإذن الله خير معين.

هنالك الكثير من الأبحاث النفسية التي تدل على أن فقدان الأم قبل أن يبلغ الابن أو الابنة الرابعة عشرة من العمر يؤدي إلى آثار نفسية سلبية على الشخص، خاصةً إذا لم يجد الشخص الذي يقوم مقام أمه، وفي حالتك هنالك عدة عوامل ساعدت في ظهور الأثر النفسي السلبي عليك، من أهمها أنك كنت تعيشين في حالة انصهار وانسجام وتوحّد مع والدتك.

لكن بالرغم مما تذكره هذه الأبحاث، فهنالك أبحاث أخرى تدل على أن الإنسان بالعزيمة والتفكير الإيجابي، ووضع أهداف في حياته، وتسخير الآليات المتاحة للوصول إلى هذه الأهداف يمكنه أن يعيش حياةً سعيدة ومطمئنة وناجحة، وأنا أرى أنك تملكين هذه المقومات، فقط عليك وضع أهداف واضحة في حياتك، وتحاولي الوصول إليها دون المساومة مع الذات.

أمور الغيرة من الأخت الصغرى مفهومة كتطور نفسي طبيعي، لكن عليك أن تكوني أكثر إيثاراً وتجرداً، فهذا سوف يقلل من الشعور بالغيرة والقلق.

لا داعي أيضاً لأي نوع من القلق التوقعي في الرد علي الطالبات إذا صدرت منهن كلمات بذيئة، فأنت تربوية، ويمكنك أن تفرضي نفسك بالكلام الطيب والأسلوب المقبول، والصبر والحكمة، وهذا سوف يجعل منك قدوة للطالبات.

سيكون من الأجدى أيضاً أن توطدي علاقتك بوالدك، فهو بحاجة إلى العناية به، وهذا نوع من البر الذي هو واجبٌ عليك.

لا بأس من أن تتناولي أحد الأدوية المحسنة للمزاج والتركيز والدافعية لمدة ثلاثة أشهر، وهذا الدواء يعرف باسم بروزاك، أرجو أن تتناوليه بمعدل كبسولة واحدة في اليوم .

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً