الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفولتي التعيسة أثرت على نفسي كثيرا، فكيف أتخلص من آثارها؟

السؤال

السلام عليكم.

عمري 23 سنة، أعاني من اضطراب واكتئاب نفسي بسبب ما عانيته طوال طفولتي من تعذيب جسدي، كل أنواع التعذيب، من إجبار على شرب الماء المغلي أو الفلفل الحارق والضرب بالأسلاك أو السلسلة، من أقربائي الذين كان بعضهم يكبروني 8 سنوات، وأقابلهم بشكل يومي، بل وحتى في المراهقة كان التأثير النفسي مستمرا لدرجة كنت أرفض التنزة والذهاب للشاطئ مع أسرتي وأبكي فيتركوني مع أقاربي.

بعد هذه الطفولة التعيسة، هل سيعاقب الفاعل علما أنه كان طفلا أيضا؟ وهل يعتبر هذا بلاء ويؤجر عليه، أو يعوض صاحبه على الرغم من إنه كان طفلا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
اعلم -أخي الفاضل- أن حياة الإنسان تسير وفق ما قضاه الله وقدره وما كتبه عليه وهو لا يزال في بطن أمه، فقد ورد في الحديث الصحيح: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ) فإذ أيقنت ذلك هدأت نفسك وارتاح بالك.

لا شك أن الإنسان يؤجر على ما يصيبه من البلاء واللأواء والظلم حتى ولو كان طفلا، يقال في بعض الأمثال من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، وإذا تتبعت سير العظماء وجدت أن بدايتهم كان فيها الكثير من المعاناة، ولك مثل في حياة رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

ربنا الرؤوف الرحيم والمنتقم لن يضيع المظلوم وسيأخذ له حقه عاجلا أو آجلا، وسينتقم من كل ظالم وسيعوض كل مظلوم عما حصل له من الظلم سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة، وسواء وقع الظلم على طفل أم على كبير، والانتقام للطفل من باب أولى كونه ضعيف ولا يستطيع الدفاع عن نفسه.

ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) فإذا كانت العقوبة الإلهية قد طالت هذه المرأة كونها ظلمت هرة فكيف بمن يظلم إنسانا.

المظلوم قد يعوضه الله في الدنيا بأن يجعله ذا مكانة مرموقة وينعم عليه حتى إن من ظلمه لينظر إليه ويصيبه من الألم النفسي ما الله به عليم.

أوصيك -أخي الكريم- أن تجتهد في تقوية إيمانك بالله تعالى من خلال كثرة العمل الصالح، فإن الحياة الطيبة لا توهب إلا لمن آمن وعمل صالحا كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

لا تجتر الماضي ولا تفكر فيه، فتلك فترة مضت وانقضت واجترارها سيسبب لك حسرة وألما أنت في غنى عن ذلك، بل ربما يسبب لك إحباطا فلا تستطيع أن تنطلق في حياتك ولا أن تحقق آمالك.

آمل ألا تجعل في قلبك حقدا على من ظلمك، ووكل أمرك لله تعالى ليقتص لك منهم فهو الحكم العدل سبحانه وتعالى، وانطلق في هذه الحياة لتكون سعيدا وحقق ما تصبو إليه، وأخلص عملك لله سبحانه وكن عضوا نافعا فعالا في مجتمعك، وكون أسرتك على أسس سليمة، وخذ بيد كل مظلوم وساعد كل من يحتاج لمساعدتك.

أوصيك أن تكثر من تلاوة القرآن الكريم وأن تحافظ على أذكار اليوم والليلة فمن ثمار ذكر الله طمأنينة القلب كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) والزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة إنه على كل شيء قدير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً