الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعقُّ والدتي وأتعامل معها بعصبية ثم أندم، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من مشكلة عقوق، أمي إنسانة غير متزنة عقليا، تتكلم مع نفسها دائما حتى إذا حاورتها، وكلامها غير مترابط، وتركيزها منعدم، لا تتحمل مسؤولية أخطائها، وتتهم الآخرين أنهم سحروها، وأنهم يحيكون المؤامرات ضدها، وتشتم الناس كثيرا.

أنا رجل لم أعش معها، فهي منفصلة عن أبي الذي أعيش معه، ولا أشعر نحوها كأم، كما تشعر الناس نحو أمهاتهم، وأنا إنسان عصبي وأكره تصرفاتها، وفي بعض الأحيان أرفع صوتي عليها، وأعلم أنه لا يجوز، لكني لا أستطيع السيطرة على نفسي، وبعد فترة من غضبي أندم وألوم نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك على رسالتك هذه، وأراها رسالة هامَّة جدًّا؛ لأنك طرحت أمرًا لا بد الاهتمام به من جانبك ومن جانبنا.

أرجو ألَّا تسم نفسك بصفة العقوق، فهذه حقيقةً أحد الموبقات، وطرحك للرسالة حول والدتك في حدِّ ذاته أعتبره أمرًا إيجابيًا، وأنا أريدُ أن أحملُ لك بُشرى كبيرة: أن والدتك بالفعل يمكن علاجها، ما ذكرتَه من أعراض تُعاني منها – هذه الأخت – دليل على وجود مرض، ومرض نفسي أساسي، مرض يمكن علاجه، ممَّا ذكرتَه أستطيع أن أقول – وعلى درجة عالية جدًّا من اليقين – أن هذه الأخت – شفاها الله – تعاني من أحد اضطرابات الذُّهان، أو ما يُعرف بالأمراض الظنانية البارونية الشكوكية، وهي يمكن أن تُعالج.

فأمامك الآن بابٌ عظيمٌ من أبواب البر، وهو أن تذهب بوالدتك إلى الطبيب النفسي، لا تؤخّر هذا الأمر أبدًا. وبعد الله تعالى استعين بمن تراه في إقناعها في الذهاب إلى مقابلة الطبيب إن رفضتْ ذلك. لا تتأخّر أبدًا، وهذا واجبٌ عليك حقيقة.

وعليك بالاستغفار، إن كنت ترى أنك قد قصّرتَ في حقِّها، والآن لا تفوّت هذه الفرصة العظيمة والفرصة الكبيرة التي مُنحتْ لك، فُتح لك بابٌ من أبواب الجنّة فأرجو ألا تتحول عنه وأرجو ألَّا تغلقه -أيها الفاضل الكريم-.

وأنا متأكدٌ أنها سوف تستجيب للعلاج -بإذن الله تعالى-، أريدك أن تتواصل معي، وتُفيدني بالخطوات التي قمت باتخاذها، وتُخبرني بتطور والدتك في العلاج.

أيها الفاضل الكريم: أرجو أن تكون رجلاً إيجابيًا، ولا داعي لهذه العصبية، أكثر من الاستغفار، كن في صحبة الصالحين من الناس، اجعل لحياتك معنىً، قم بواجباتك الاجتماعية، لا تتخلَّف أبدًا عن تلبية الدعوات والذهاب وتقديم واجب العزاء حين يكون أحد الناس حدث له وفاة، لا تتخلّف عن هذه الواجبات والأنشطة الحياتية أبدًا، وأنا متأكد أنك بانتهاك هذه المنهاج الإيجابية في الحياة سوف يختفي منك تمامًا لوم نفسك.

احرص على الصلاة في وقتها، والدعاء، والاستغفار، والحرص على الأذكار – خاصة أذكار الصباح والمساء – طوّر حياتك من حيث عملك، ورفّه عن نفسك بما هو طيب وجميل، وعبّر عن ذاتكن لا تكن شخصًا محتقنًا مكتئبًا منعزلاً، الحياة طيبة وجميلة، ويجب أن نعيشها بقوة وصدق وأمان.

أرجو أن تتواصل معي، وأريد حقيقة أن أعرف ما هي الخطوات التي اتخذتها حيال والدتك، لا تؤجّل هذا الأمر، بل أدعوك بالتعجيل في ذلك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
--------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. مراد القدسي -مستشار العلاقات الأسرية-.
-------------------------------------------------
مرحبا بك -أخي الكريم-، ونسأل الله أن يصلح حالك، والجواب على ما ذكرت:

- بما أنك تعلم عن حالة أمك الصحية وما تعانيه، فالواجب عليك طاعة لله، وبرا بها؛ أن تذهب إلى الطبيب المختص للعلاج، كما أن عليك أن تدعو لها بظهر الغيب بأن يشفيها الله ويمن عليها بالعافية.

- وأما مسألة العقوق الذي قلته عن نفسك، ورفع الصوت على أمك هذا أمر منكر وكبيرة من كبائر الإثم، فيجب عليك -مع الندم- التوبة إلى الله تعالى، والاعتذار من أمك حتى ترضى عنك، ولا تكرر هذا الفعل مع أمك مهما كانت الأسباب، لأنك تعرف أن أمك مريضة وتحتاج إلى العلاج، ولهذا لا ينبغي أن تؤاخذ على أي تصرف صدر منها، وحتى ولو لم تكن مريضة، وبدأ منها تصرفات خاطئة، فالواجب الرفق بها ونصحها بلطف ولين، لأنها أم وتحتاج منك ومن إخوانك الرعاية والبر والاهتمام بها.

أخيراً: إذا وجد من أحدنا خلق سيء، فيجب علينا سرعة الخلاص منه بشتى الوسائل، فما ذكرت عن نفسك أنك عصبي، يجب التخلص من هذه العادة، بأن تعود نفسك على الصبر والتحمل وأن تتجاهل ما تراه من تصرفات خاطئة من أمك -حفظها الله- ومن غيرها، وتسأل الله أن يرزقك الحلم وحسن الخلق، وأن تكثر من ذكر الله وقراءة القرآن، والاستغفار، وتقرأ كثيرا في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه من الحلم وحسن الأخلاق.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً