الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أنا مصابة باكتئاب أم قلق وضعف تركيز؟

السؤال

السلام عليكم.

أتمنى من الدكتور/ محمد عبد العليم الرد على سؤالي، وأعتذر إن أطلت، حالتي بدأت منذ أن كان عمري١٥ سنة تقريباً، كنت لا أتوقف عن التفكير في كل شيء، وأتصور أسوأ الأشياء، فعندما أسمع أمي تنادي أختي مثلاً أخاف أن تناديها؛ لأن أحداً من العائلة مات، وعند قراءة كتاب لا أستطيع أن أركز فيه حيث أفكر كيف يركز الإنسان، وأفكر فيما أريد أن أقول، وأفكر أنني غبية ولا أستطيع أن أفهم على الرغم من تفوقي في دراستي، ولكني لا أستطيع التخلص من الشعور بالغباء.

عند دخولي الثانوية قررت البحث عن حالتي؛ لأني كنت خائفة أن تكون عينا أو مسا، وبالفعل قرأت أنها عين وهو أكثر شيء كنت خائفة منه، أتذكر عند قراءتي أنها عين انتباني شعور غريب قوي جداً، وازدات نبضات قلبي، وهنا بدأت حالتي تسوء، أصبحت لا أنهض من السرير، وأبكي طوال الوقت، ولا أتوقف عن التفكير أبداً، نقص وزني كثيراً في تلك الفترة حتى قررت أن أكلم طبيباً نفسياً، وبالفعل تواصلت مع الطبيب، ووصفت له مشاعري، وأجابني أن حالتي بسيطة وهي قلق واكتئاب، ووصف لي دواء (سبراليكس) فشعرت بالراحة لمعرفتي عن حالتي وأنها ليست عينا، ولكن بعد شعوري بالتحسن تركت الدواء، والآن بعد دخولي الجامعة عادت لي الحالة من جديد، وأصبحت لا أتوقف عن التفكير ولا أشعر أني بالواقع، كأنني في حلم.

اتصلت على الطبيب مجددا، ووصف لي دواء (سيتوكسال) واستمريت عليه لفترة حتى استقرت حالتي قليلاً ثم تركته، فما هي حالتي؟ ولماذا أشعر أنني لست بالواقع؟ والتفكير المستمر لم يذهب عني حتى عند أخذي للأدوية، مع أني كنت من قبل أجيد التركيز وأحفظ وأفهم بسرعة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ Sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ورسالتك واضحة جدًّا، أنا لا أعتقد أنك مصابة بالاكتئاب - الحمد لله على ذلك - لكن قطعًا لديك جانب القلق، ومن الواضح أن القلق مُهيمن جدًّا عليك ممَّا نتج عنه تداخل الأفكار وتطايرها، وهذه ظاهرة معروفة، وكثيرًا ما يأخذ هذا النوع من الفكر المنحى الوسواسي، (إشاراتك للعين، للسحر، هذه الأمور الافتراضية) هذا كله شيء من التفكير الوسواسي، وهذا طبعًا يُدخل الخوف في قلب الإنسان، وربما ينتج عن ذلك عُسر في المزاج، وهو اكتئاب ثانوي وبسيط جدًّا، لكن لا أعتبرك مكتئبة، أؤكد على هذه الحقيقة.

أنا لا أعتبرك مريضة حقيقة، لا أطمئنك من فراغ، هذه حقيقة، القلق ظاهرة تأتي للناس، والقلق هو سبب للنجاح لكثير من الناس، والذي لا يقلق لا ينجح، ولا يكون لديه الوازع لأن يُنجز، لكن القلق إذا زاد عن الحد قد يكون معطِّلاً كما هو في حالتك، فأنا أقول لك: اهدئي، لا تقلقي، عبّري عمَّا بذاتك، لا تكتمي، لأن الكتمان يؤدي إلى احتقانات نفسية التي تظهر في شكل أفكار متزاحمة عند الإنسان، وتؤدي إلى المزيد من القلق.

مارسي رياضة، أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة، الرياضة - أيضًا - فيها تفريغ نفسي كبير جدًّا، وطبقي تمارين الاسترخاء كما ذكرنا ذلك لعدة إخوة وأخوات، وقد استفادوا منها كثيرًا. توجد برامج ممتازة على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، كما أن إسلام ويب أعدت استشارة رقمها (1236015) يمكن الاطلاع عليها، وإن شاء الله تعالى تجدي فيها فائدة كبيرة.

أنت بخير، ومطالبة أيضًا بالاجتهاد في تنظيم الوقت، مَن ينظم وقته لا يقلق، أو يحول قلقه ليجعله قلقًا إيجابيًّا. نامي ليلاً مبكّرًا، استيقظي مبكّرًا، بعد صلاة الفجر ادرسي لمدة ساعة، هذه فاتحة عظيمة لليوم. صلاةٍ ثم بعدها دراسة، والساعة في الصباح فيما يتعلق بالمذاكرة تُعادل ساعتين إلى ثلاثة في بقية اليوم، هذا أمرٌ مجرب جرَّبناه جميعًا حين كنّا في مثل مرحلتك، وكثيرًا من الناس استفادوا منه.

أرجو أيضًا أن ترفهي عن نفسك بما هو جميل، تُشاركي أسرتك، تحرصي على بر والديك، ترفعي من معارفك ومعلوماتك غير الأكاديمية، هذا أمرٌ جيد. التواصل مع الصالحات من البنات، الصلاة في وقتها، الدعاء... أمور عظيمة، كنوز توجد في حياة الشباب، لكن بكل أسف البعض لا يستغلها، أريدك ألَّا تكوني من هؤلاء البعض، أريدك أن تكوني من الذين يستفيدون منها.

هذا هو العلاج الرئيسي لحالتك، أمَّا الدواء فلا بأس به، فهو يُساهم في تحسين الدافعية ويجعل القلق قلقًا إيجابيًا، وإزالة الوسوسة والخوف، ويُحسن المزاج قطعًا. لكن لا أريدك أبدًا أن تعتبري أن الدواء هو العلاج الجوهري في حالتك، هو مكمّلٌ لما ذكرناه من إرشاد، فأرجو أن تطبقي ما ذكرته لك.

أفضل دواء لحالتك هو الـ (سيرترالين)، ويُسمّى تجاريًا (زولفت) أو (لسترال). هذا الدواء دواء سليم، غير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، قد يفتح الشهية قليلاً نحو الطعام، لكن الجرعة التي تحتاجين لها هي أصلاً جرعة صغيرة، قد لا تؤدي إلى زيادة كبيرة في رغبتك نحو الطعام أو الشراهة نحو الحلويات، ابدئي بجرعة نصف حبة، الحبة من السيرترالين تحتوي على خمسين مليجرامًا، إذًا تناولي خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، وهذه مدة كافية جدًّا من وجهة نظري. بعد ذلك اجعلي الجرعة نصف حبة فقط يوميًا لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً