الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدت الاهتمام بنفسي وبيتي وزوجي، فكيف أعود كما كنت؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نشأت وشقيقتي في منزل والدي الذي كان يستخدم الحشيش حيث كان هناك لحظات خوف وتعنيف، ولحظات دلال وفرح، وحرمان من الأم حتى بلغت التاسعة، وانتقلت لمنزل أمي وزوجها بعد أن رفعت قضية تعنيف على والدي وكان زوج أمي مدمناً على حبوب الكبتاجون، ٣ أيام رعب وخوف وصراخ، و٣ أيام راحة ويتخللها بعض اللحظات اللطيفة، ولكنها لطيفة لأنها ذكرى فقط.

بعد ذلك تزوجت في عمر١٧ من رجل يستحق هذه الكلمة فعلاً، إمام مسجد كما تمنيت، ولكن لدي ابنتان الآن إحداهن بعمر ٦ سنوات، والأخرى بعمر سنة، وأنا أكره ابنتي الكبرى! ضربتها مرتين وقمت بعضها وكرهت نفسي، واعتذرت لها وبكيت بحرقة حين نامت، والمرات الأخرى كنت أصفعها أو أقرصها، وأصبحت أنا وزوجي نتجادل كل يوم لأنه مشغول ولا يهتم بي مثل السابق!

لا أشعر براحة في حياتي، وأصبحت عصبية جدا، وصوتي يرتفع بسهولة، قطعت صلاتي لمدة سنوات وعدت إليها منذ شهرين فقط، أريد أن أعود لسابق عهدي، كنت نادرا ما أغضب وهادئة ونشيطة، وأؤدي واجباتي براحة ورضى، الآن لا أفعل شيئا إلا المشاهدة والصلاة والعناية برضيعتي، حتى إن زوجي يساعدني بالعناية بها إن كان موجودا، ولا أطبخ دائماً، ولا أنظف المنزل، ولا أهتم بنفسي!

أريد أن أكون طبيعية وأحب نفسي وابنتي وبيتي، وأريد أن يهتم بي زوجي وأن أهتم به، ولكني أبدأ ولا أستمر، هل يجب أن أذهب لطبيب كي أتعالج؟ هل أنا مريضة؟ أريد أن أتحسن وأن أرتاح!

أعتذر عن الإطالة، ولكن لست أثق بأحد ليساعدني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميعاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك على رسالتك، وهي واضحة جدًّا.

أنا أعتقد أنك مثال حيٍّ لإنسانٍ لم تُتح له فرصة التنشئة الجيدة، وبالرغم من ذلك - بفضلٍ من الله - نجحت وتزوّجت، والآن توجد لديك ذرِّيّة.

حقيقة: الذي تعانين منه الآن من وجهة نظري هو نوع من عُسر المزاج الانفعالي، ضرب الابنة والتقاعس عن الواجبات الأسرية والزوجية، وعدم الحرص على الصلاة: هذا دليل على الإحباط، ودليل على السلبية في التفكير والمزاج، وهذه الحالات تندرج تحت الاكتئاب النفسي البسيط. وقطعًا ضربك لابنتك هو نوع من الإسقاط، بمعنى أن طريقة التعامل التي كنت تتعاملين بها أسقطتِها على ابنتك، وهذا الكلام طبعًا قد لا يكون دقيقًا، لكن دائمًا المدرسة التحليلية تُركّز على هذا الأمر، وقطعًا ضربك لابنتك أشعرك بالذنب حيالها، وهو في حدِّ ذاته أيضًا يدل على عُسر مزاج وعلى احتقان نفسي سلبي.

إذًا الذي بين يديَّ الآن من أعراض، وما ذكرتِه حول نفسك ومشاعرك وتصرفاتك يجعلني أقول إنك تعانين من درجة بسيطة من الاكتئاب النفسي، وهذا يمكن علاجه تمامًا، فإن كان بالإمكان أن تذهبي إلى طبيب نفسي هذا هو الأفضل، وأنت محتاجة لأحد محسنات المزاج، دواء مثل (زولفت) والذي يُسمَّى سيرترالين سيكون دواءً رائعًا جدًّا ليُخرجك من عُسر المزاج هذا والاندفاعات والانفعالات السلبية، والدواء رائع، وغير إدماني وغير تعودي، ولا يؤثّر على الهرمونات النسائية.

بعد أن تبدئي في تناول الدواء سوف تحسين براحة عامة. فعالية الدواء تبدأ بعد أسبوعين، ونحن نقول إن جرعة البداية يجب أن تكون صغيرة (نصف حبة) يوميًا - أي خمسة وعشرين مليجرامًا - لمدة أسبوع، ثم اجعليها حبة كاملة لمدة أسبوعين، ثم حبتين يوميًا، يمكن تناولها كجرعة واحدة مساءً أو صباحًا، وهذه هي الجرعة العلاجية، وهي ليست جرعة كبيرة؛ لأن الجرعة الكلية أو القصوى أربع حبات في اليوم، لكنك لست في حاجة لأكثر من حبتين، والتي يجب أن تستمري عليها لمدة شهرين، ثم انتقلي إلى الجرعة الوقائية، بأن تجعلي الجرعة حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يوميًّا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين.

هذا الدواء من الأدوية الجيدة والممتازة، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، وإن كان بالإمكان - كما ذكرتُ لك - اذهبي إلى الطبيب النفسي، واتبعي ما سوف يذكره لك من إرشاد، وتناولي ما يُعطيك له من دواء، وفي ذات الوقت أرجو أن تعبري عن نفسك، لا تحتقني نفسيًّا. اجلسي جلسات لطيفة مع زوجك، اجتهدي في عمل منزلك، ثبّتي لنفسك وردًا قُرآنيًّا، اقرئي قراءات لطيفة، ادفعي نفسك نحو ما يفيدك، الحمد لله أنت صغيرة في السنِّ، والله تعالى أعطاك طاقات كثيرة يجب أن تستفيدي منها فيما يفيدك.

أنا أريدك قصة نجاح حقيقية، أن تُنشَّئي بناتك على أفضل ما يكون، وأن تكوني زوجة صالحة، والماضي وسلبياته استفيدي منها لتنطلقي الآن انطلاقات إيجابية، ودائمًا كوني في جانب التفاؤل، والحياة يجب أن نعيشها بقوة وأمل ورجاء، وهذا هو الذي أريده لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً