الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف ندرب ونربي أبنائنا على الأخلاق الحسنة؟

السؤال

السلام عليكم.

أحد الأفراد كان يستأجر أرضا للبرسيم، وذهب إلى الأرض ليحضر البرسيم، فوجد مجموعة من الكلاب تجلس في الأرض التي يريد أن يأخذ منها البرسيم، وكانت مجموعة كبيرة 6 أو 5 كلاب فرجع ولم يحضر البرسيم، قد يظن البعض أنه رجع خوفا من الكلاب، ولكن في الحقيقة أنه رجع ليس خوفا من الكلاب ولكنه خوفا من وجهة نظره من حقوق العباد.

لأنه قال في نفسه لو قمت بضرب هذه الكلاب سوف تخرج وتجري إلى وعلى أراضي الجيران، وسوف تكسر وتدمر بعض البرسيم عندهم، فخاف أن يكون سببا في دمار البرسيم وإلحاق الضرر بهم، فخاف من حساب الله -عز وجل- له على هذا الضرر لبرسيم الجيران فرجع ولم يحضر البرسيم، وترك الكلاب كما هي في أرضه وذهب.

السؤال: كيف نربي ونشرح ونعرف أولادنا هذه الأخلاق الحسنة الكريمة وهي مراعاة حقوق العباد لهذه الدرجة، وعدم الاعتداء عليها وإلحاق الأذى بالناس، وحقوق العباد خوفا من الله عز وجل وعقابه وغضبه ونقمته وحسابه بين يدى الله عز وجل يوم القيامة في يوم عظيم حرارتة وشدته وطمعا في ثواب الله عز وجل العظيم في الدنيا والآخرة؟ (وكما تدين تدان، أن تحافظ على حقوق العباد يجعل الله عز وجل لك من يحافظ على حقوقك).

كيف نكون نحن الوالدين ومن غيرنا من كبار العائلة والمعلمين في المدرسة قدوة حسنة في تدريب أولادنا وطلابنا على هذه الأخلاق الكريمة؟

أريد أعمالا عملية ندربهم عليها، أريد أمثلة ونماذج من أعمال أدربهم وأعلمهم بصورة عملية مشاهدة من الولد والطالب، فما هي هذه الأعمال؟ وكيف أطبقها عمليا؟

وجزاكم الله -عز وجل- خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ هاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أستاذنا الفاضل، ونشكر لك هذا الحرص على تربية الأبناء على الأخلاق، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا لأحسن الأخلاق والأعمال والأحوال، وأن يُلهمنا السداد، وأن يُحقق لنا ولكم قرة الأعين في أبنائنا والسعادة والآمال.

نشكر لك هذا السؤال الرائع الذي يُذكّر بما كان عليه سلف الأُمَّة الكرام من تطبيق النصوص، نحن الآن نحفظ النصوص لكنّهم طبَّقوا نصوص هذه الشريعة التي شرَّفنا تبارك وتعالى بها، وقصة صاحب البرسيم ذكّرتني بقصة رجل من السلف آذاته الفئران في بيته فقيل له: لماذا لا تأتي بالقط ليُخلِّصك من الفئران؟ قال: أخشى إذا جئت به أن تهرب الفئران فتُؤذي الجيران، فهو يريد أن يكفَّ الشر عن الآخرين، وهذه معاني جميلة.

أمَّا طريقة الوصول لمثل هذه الأخلاق فهي أولاً بفهم هذه الشريعة، هذه الشريعة ليست نصوص تُحفظ، ولذلك امرأة تدخل النار في هِرّة لأنها حبستها، وبغيٌ من بني إسرائيل تدخل الجنّة لأنها سقت كلبًا.

وأريد أن أقول: السلف – عليهم من الله الرضوان – طبَّقوا هذه الشريعة، وطبَّقوا نصوص هذا الدين، ونحن فقط مجرد حفظ للنصوص ومسابقات في الحفظ وغير ذلك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلطف بنا.

أمَّا طريقة تربية الأبناء على ذلك فهو أولاً: بالرجوع إلى هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه، بالرجوع إلى تطبيقات السلف للأخلاق من الناحية العملية، وهذه كثيرة، يعني: سهل بن عبد الله التستري كان له جار نصراني، وكانت بلوعة – كما نقول بلغة العصر – لهذا المجوسي تصبُّ في حجرة داخل بيت سهل بن عبد الله التستري، فصبر عليه، واتخذ طِسْتًا، كان يأخذ الأوساخ في النهار ثم يرمي بها، ولمَّا حضرته الوفاة دعا جاره، قال: اذهب إلى تلك الحجرة فانظر ما فيها، فقال المجوسي: أعوذ بالله، كيف تصبر على هذا؟ منذ متى يصير هذا؟ قال: أنت جاري وأصبر عليك، قال: ولكن حضرني ما ترى – لأن سهل كان في سكرات الموت – قال: لأنه قد يأتي مِنَ الورّاث مَنْ لا يصبر عليك فيُؤذيك، فأصلح من شأنه. فتأثّر المجوسي وقال: "أنت تصبر عليَّ ويأتيك هذا الأذى، أشهدُ أن لا إله إلَّا الله وأشهد أن محمَّدًا رسول الله".

فعلاً عندما نُطبِّق هذه الأخلاق عمليًّا، وهذا هو تحويل الأخلاق إلى قيم، بحيث تتحوّل إلى ممارسة عملية في حياتنا.

أكرّر: الطريق للتربية علينا بالرجوع إلى هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، برصد تطبيقات السلف الكرام، بأن نكون نحن قدوة أمام أبنائنا، نُظهر أمامهم الحفاوة بالجار، الخوف من أكل حقوق الناس أو ظلمهم، ثم بعد ذلك من المهم جدًّا أن نربّي فيهم شعور الآخرين، يعني: لما مثلاً ابني يأخذ شيئًا ليس له، نقول له: تخيّل صاحب هذا الشيء الأنيق يبحث ويبكي ويتألم، هل يُرضيك هذا؟ هل تقبل بهذا؟ لأني لابد أن أنقل له شعور هذا المتضرر.

أيضًا بالإكثار من الصيام، والحمد لله الصيام الآن يُشعرنا لمَّا نجوع نتذكّر الجائع، لمَّا نعطش نتذكّر الذين لا يجدون الماء، ولذلك عبادات هذا الدين العظيم فيها تربية، مثلاً: الحج، لمَّا تجد معاناة وزحام، يتعرَّف على أحوال الناس فيتأثّر... كلّ نصوص هذا الدين لو فهمناها تُربِّي على هذا الجانب العظيم.

أنا أكرِّر لك الشكر وأعجبني جدًّا أنك أشرت إلى مسألة القدوة، فأقصر طريق لكي نعلِّم أبنائنا أخلاقًا عمليًا في احترام الجار ينبغي إذا خرجت ألَّا أزيح الأوساخ من أمام بيتي إلى بيت الجار، ينبغي ألَّا أوقف سيارتي بطريق غير صحيح حتى لا أؤذي الجار، ينبغي ألَّا أرفع صوتي، أنا القدوة الآن، والتربية بالقدوة هي أقصر طريق للتربية، والأعمال في هذا الباب كثيرة، لكن القدوة تقتصر هذا الطريق، ثم إننا بحاجة إلى أن نعود إلى ما كان عليه سلف الأُمَّة الكرام، ثم نفهم هذه الشريعة. لو أن إنسان حفظ القرآن من أوله إلى آخره وضيّع حروفه وضيّع حدوده؛ هل هذا يُقبل؟ لا، هذا القرآن إنما جاء للتطبيق والعمل، من أجل أن نعمل به، من أجل أن نتدبّر ونعمل بهذا الكتاب الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

فالإنسان الذي يحرص على دفع الأذية عن الناس يأتيه الحب من الناس، ويأتيه التوفيق من الله تبارك وتعالى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق، ونكرر لك الشكر على هذا السؤال.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات