الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الوسواس القهري؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعاني من الوسواس القهري لمدة خمس سنوات، وأنا أعيش في عذاب منذ أن كنت بعمر 16عاماً، والآن انا بعمر 21 عاماً، وأحارب كل الأفكار.

ذهبت إلى طبيب نفسي ولكن محاولات علاجي فشلت، وتحسنت لفترة وكانت لا تهزني الأفكار، وأعلم أنها على خطأ حتى جاءتني خاطرة جديدة منذ فترة، وأنا أنكر فيها وأحارب فيها، ولكن أشعر انني للأسف على وشك الوقوع بها، وهي أنني مسلمة وأحب رسولنا محمداً عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، لأنني تربيت على محبته وليس لأني أختاره بنفسي وعقلي.

أريد إجابة تطمئن قلبي عن هذه الخاطرة وسأتجاهلها كما فعلت مع الأخرى، لكن أريد شيئاً يقويني على التجاهل، أرجوكم أنا في عذاب تام وأشعر أن قلبي بدأ يموت ولا يهاب هذه الأفكار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Farah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، تقبّل الله صيامكم وقيامكم وطاعاتكم.

الوساوس القهرية منتشرة جدًّا خاصة في مثل عمرك، والوسواس ذو الطابع الدِّيني كثير جدًّا، واعلمي – أيتها الفاضلة الكريمة – أن الوساوس أتت حتى لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اشتكى أُناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الوساوس، قال أحدهم فيما معناه: "والله لزوال السموات والأرض خير لي من أن أتحدَّث عمَّا يأتيني في نفسي"، فطمأنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأشار أن ذلك من صميم، أو صريح الإيمان، ونصح بأن يقول: (آمنت بالله) ثم طلب منه أن ينتهِ، بمعنى أن يُحقّر هذه الوساوس، لا يخوض فيها أبدًا، لا يسترسل معها أبدًا، ويتجاهلها تجاهلاً تامًّا.

هذا هو ما أنصحك به – أيتها الفاضلة الكريمة - وورد في الحديث وفيه يقول: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ)، أيضًا في هذه الحالة الإنسان يستعيذ بالله، ويقول (آمنت بالله) وينته، ويُحقّر هذه الفكرة.

الوساوس قد تكون مُلحة، قد تكون مستحوذة، قد تأتي في شكل اندفاعات، ونحن حقيقة ننصح الناس أن يبتعدوا تمامًا عن تحليل الوساوس أو إخضاعها للمنطق، في حالتك الآن أنت تبحثين عن تفسير، وهذا خطأ، نحن الحمد لله تعالى أكرمنا الله بنعمة الإسلام، وهو دين الفطرة – أيتها الفاضلة الكريمة – وعليك أن تحمدي الله وتشكري الله شكرًا عظيمًا أن جعلك في هذه الأُمّة المحمّدية العظيمة، وتقولي دعاء أهل الجنة: {الحمد لله الذين هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}.

أرجو أن تغلقي إغلاقًا تامًّا أمام هذا الوسواس، وحين تأتيك الفكرة أو حين تكون في بداياتها كخاطرة قولي لها: (أنتِ فكرة وسواسية حقيرة)، تخاطبين الوسواس كأنك تخاطبين شخصًا أمامكِ، كرِّري هذه المخاطبة عدة مرات: (أنت وسواس حقير، أنت وسواس حقير، أنت وسواس حقير) وهكذا، وتخاطبين أيضًا الوسواس قائلة: (أقف، أقف، أقف، أقف، أقف)، كرريها عدة مرات حتى تحسّي بالإجهاد.

أريدك أيضًا أن تقومي ببعض التمارين السلوكية البسيطة التي نُسمِّيها (التمارين التنفيريّة): ضعي حول رسغ يدك الرباط المطاطي الذي تُربط به الأوراق المالية، وأنت جالسة في مكان هادئ فكّري في هذا الوسواس، وقومي بجذب هذا الرباط المطاطي بشدة، ثم أطلقيه بقوة لتحسّي بألمٍ شديد.

الهدف هو أن تربطي ما بين الفكرة الوسواسية وإحساس الألم، يُكرر هذا التمرين عشرين مرة متتالية، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، فعلماء السلوك وجدوا أن هذا يُنفّر الفكرة الوسواسية، لأن وقوع الألم كإحساس غير مرغوب فيه يُنفّر، وبفضلٍ من الله تعالى الذي يُزال في هذه الحالة هو الوسواس.

هذا التمرين تمرين ممتاز، إذا طبَّقه الإنسان بصورة جيدة وقناعة، كما يمكن أن تقومي مثلاً بشمِّ رائحة كريهة – إن توفَّرتْ – شمّي هذه الرائحة وفي نفس الوقت فكّري في الوسواس، يجب أن يكون هنالك تطابق بين شمِّ الرائحة والفكرة في نفس اللحظة.

هذه كلها حيل سلوكية وجدناها ممتازة جدًّا وتفيد الناس كثيرًا.

أنا أيضًا أنصحك بتناول دواء مع هذه التمارين، وأفضل دواء لطرد هذا الوسواس هو عقار (فافرين) والذي يُسمَّى علميًا (فلوفكسمين)، تبدئين بخمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوع، ثم تجعلينها مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرٍ، ثم مائتي مليجرام ليلاً، وهذه هي الجرعة العلاجية المناسبة، تستمرين فيها لمدة شهرين، ثم تجعلينها مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لآخر، ثم تتوقفين عن تناول الدواء.

هو دواء ممتاز، وغير إدماني، ولا يؤثّر على الهرمونات النسائية، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن الفافرين أفضلها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً