الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوحدة والمشاكل التي أعيشها هل هي ابتلاءات من الله؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، عمري 19 سنة، طالبة جامعية بكلية الطب، اجتماعية بطبعي، أنا من عائلة ميسورة الحال -الحمد لله-، مشكلتي تكمن أنني وحيدة أهلي، لي أخ أكبر مني فقط، وليس لدي أخت، فهذا الشيء الذي يدمر حياتي، فأنا دوما أشعر بالنقص والوحدة كوني وحيدة، فأنا أفتقد للأخت التي تكون سندي ورفيقتي في هذه الدنيا، ولا أملك من أشكو له همي وحزني.

كوني وحيدة الأهل فهذا معناه الدلال والحب، ولكن للأسف أنا عكس ذلك؛ لأن أسرتي تعاني من مشاكل عائلية، أمي وأبي في شجار دائم بسبب أهل أبي الذين يحاولون أذيتنا ويتدخلون بحياتنا، مما جعل أمي المسكينة دوما مهمومة وبعيدة عني، وما زاد وحدتي أكثر بعد أهل أمي عني وخالاتي وبناتهن، فأنا أتفاهم معهن ولكنهن ليسوا من نفس مدينتي.

أما أنا فالحمد لله لا أحب أذية غيري، ولا التحدث عن الناس وهذا بشهادة الجميع، لدي صديقاتي من الكلية ولكن لا يمكنني أن أقول لهن همي ومشاكلنا العائلية، فقد أصبحت منذ عام أعاني من خوف شديد من المستقبل ومن فقدان أمي، وأجد نفسي بلا سند ووحيدة، كما أنه لم تمر ليلة ولم أبك فيها من هذه المخاوف.

عندما أرى صديقاتي مع أخواتهن وعائلتهن سعداء يتقطع قلبي، أقول لماذا حياتي هكذا؟ أعلم أنه ليس بيدي، الله هو من اختار لي هذه العائلة، ولم يرزقني بأخت، بالطبع فهو لحكمة ما في بعض الأحيان، أصبحت أتمنى الموت، لكن علمت أن هذا حراما فاستغفرت، وقررت حفظ القرآن وأذهب للمسجد، وأصوم الاثنين والخميس.

فهل هذه الوحدة والمشاكل ابتلاءات من الله؟ وماذا أفعل؟

ساعدوني فأنا حقا مرهقة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ رفيدة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك التواصل مع الموقع، ونؤكد لك أن من في الموقع بمثابة الإخوان والأعمام والأخوال لك، كما أن الزميلات والصديقات في الجامعة هن أخوات لك، والمؤمنون إخوة كما قال ربنا العظيم، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يذهب عنك الوحشة، وأن يلهمك السداد والرشاد وأن ينفع بك بلاده والعباد.

تفهمنا ما كتبت في هذه الأسطر، وهي تدل أيضاً على نضج ووعي تستطيعين به بعد توفيق الله تبارك وتعالى أن تتجاوزي هذه الأزمة التي لا يخلو منها بيت، ونذكرك أولاً بضرورة أن تستحضري نعم الله تبارك وتعالى عليك، فإن نعم الله مقسمة، هذا بيت فيه إخوة وأخوات ولكن فيه فقر وحاجة، وهذا بيت فيه أغنياء ولكن يفتقدوا إلى الإخوة والأخوات وهكذا، نعم الله مقسمة، والسعيد في الناس هو الذي يتعرف على نعم الله تبارك وتعالى عليه، ثم يؤدي شكرها، فإذا أدى شكرها نال من الله تبارك وتعالى المزيد، فلا تنزعجي من وجود المشكلات فهذه طبيعة الحياة:
جبلت على كدر وأنت تريدها صوفاً من الأقدار والأغذاء
ومكلف أيام فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نار

والمطلوب هو أن نتكيف وأن نتأقلم وأن نتعايش مع الظروف التي نعيش فيها، فإن السعادة الحقة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، والمواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وأسعدنا أن لك في الجامعة صديقات وأنك تذهبي لحفظ كتاب الله وهناك صديقات صالحات، فاحشري نفسك في زمرة الصالحات، ثم اختاري منهن صالحة عاقلة ولتكن معلمة أو مربية أو داعية لتبوحي لها ببعض ما في نفسك، فإن الصداقة لها رفعة عالية، ولها رتبة عالية، ورب أختٍ لك لم تلدها أمك، كما هو المثل العربي، ولذلك أرجو أن لا تأخذ هذه المسألة أكبر من حجمها، وإذا كنت تشاهدين الأخوات وهن يبتسمن أمامك فهن أيضاً فيهن من تبكي إذا رجعت إلى بيتها، ونحن لا نريد لها ولا لك البكاء، ولكن نريد أن نتدرب على أن نكيف أنفسنا ونستغل أوقاتنا فيما خلقنا الله أولاً لأجله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ثم في اكتساب واكتشاف ما وهبنا الله تبارك وتعالى من القدرات واكتشاف ما عندنا من المهارات، والاشتغال بالنافع من الهوايات، فإن الإنسان إذا شغل نفسه بمثل هذه الأمور ومنها الدراسة ومنها قبل ذلك العبادة، والإنابة، وأنت تشغلين نفسك بحفظ كتاب الله هذه برامج في منتهى الروعة.

لذلك أرجو أن تطردي هذا القلق الحاصل وحاولي أن تتقربي من العمات وإن ابتعدن، ومن الخالات وإن جفون، كوني أنت دائماً المبادرة، واستمري ولله الحمد على ما عندك من سلامة الصدر، فهذه نعمة من الله تبارك وتعالى أن يشهد لك الجميع أنك لا تحبي أذية أحد وهذا هو الفلاح، فإن أقل ما يفعل الإنسان من المعروف أن يكف أذاه عن الناس، فتلك صدقة من الإنسان على نفسه كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.

لا مكان للخوف فالله معك، وأيضاً الصديقات إلى جوارك بعد الله تبارك وتعالى، ونحن نقول دائماً (من وجدت الله فماذا فقدت)، فإن الله تبارك وتعالى ينبغي أن نعمر بحبه وتوحيده قلوبنا، وعندها لن نستوحش وعندها سنسعد حتى لو كنا في كل الأوضاع، وكأني بشيخ الإسلام ابن تيمية وهو في سجنه كان يشعر بالسعادة، لأنه كان مع الله فكيف وأنت طليقة حرة في بيت أنزل الله عليه النعم، وفي كلية من كليات القمة تدرسين، وفي نعم من الله تبارك وتعالى أرجو أن تنظري فيها وتؤدي شكرها، وتجنبي هذا الجانب الذي يريد الشيطان أن يدخلك فيه، ليوصلك إلى القلق والاضطراب وعدم الرضا، وعندها يحرمكم من الخير، فكوني راضية بما قدره الله تبارك وتعالى.

واعلمي أنك تستطيعي أن تفتحي أبواب كبيرة وعظيمة لصديقات صالحات سيكن في مقام الأخوات وفي مقام الزميلات الناصحات، نسأل الله تبارك وتعالى أن يهيء لكم الخير، وأن يعيد الألفة إلى البيت وإلى الأسرة، وهذه وصيتنا لك ولأنفسنا بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه ونكرر الترحيب بك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً