الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطبني شاب وحصل سوء تفاهم وانفصلنا وصرت ألوم نفسي

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عاماً، تمت خطبتي في العام الماضي من شخص أحببته وأحبني لكن حصل بيننا بعض سوء الفهم، وكان هذا بسببي، لم أكن قادرة على التعبير عما يجول في خاطري بالشكل الصحيح في ذلك الوقت، لأنه تكلم معي بقسوة وشعرت بالخوف منه بالرغم من حبي الشديد له، وباعتبارها أول تجربة لي لم أعرف كيف أتصرف بشكل صحيح.

تم الانفصال وبعدها بدأت مشاعر الحنين ولوم النفس بشدة بل وجلدها، كل هذا بسبب أنني لم أستطع إيصال وجهة نظري له، ولم أستطع التعبير عن حبي بل كنت أناقض نفسي، وأنا أحاوره أريده من الداخل لكن لم أوضح له هذا، لا أعلم ما الذي حصل في ذلك الوقت؟

الآن منذ أن تم الانفصال وأنا في حالة عقاب مستمر لذاتي، والموقف لا يغيب عن ذهني أبداً سوء تصرفي وخسارتي لشخص أحببته من كل قلبي دائماً أشعر أني لا يجب أن أكون سعيدة، وأشعر بأني لن أجد شخصاً أحبه مثلما أحببت خطيبي السابق.

تراودني أفكار بأني لا أريد الارتباط، وأحياناً أفكر فيه وأشعر باليأس من الحياة، أشعر أن خسارتي لن تعوض.

كيف لي أن أنساه وأنسى سوء تصرفي بعدم قدرتي على التعبير له؟ خاصةً أنهم فهموا الموضوع بشكل خاطئ.

دائماً يشعروني بأنني ظلمته فقط لمجرد أننا أسأنا الظن ببعضنا البعض، وأنا حينها لم أدافع عن نفسي بصفتي شخصية كتومة صامتة وحساسة، ذهبت دون أن أشرح له أي شيء.

الموقف عالق بذهني ويؤلمني بشدة، إلى متى سأبقى هكذا مع مشاعر الذنب ولوم النفس وأجلدها؟ إلى متى سيستمر هذا العقاب؟ ما الحل؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نحن بدورنا نرحب بك -ابنتي الكريمة- ضيفة على موقعنا، وأن يعيننا الله وييسر لك حل مشكلتك.

مما لا شك فيه: أن الانفصال ليس سهلًا وهينًا على قلوب المحبين، ولكنه قدر الله علينا، يقول الباري في كتابه الحكيم: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شئيًا وهو شر لكم"، والابتلاء وجد لقياس مدى صبرنا وتحملنا وشكرنا لله، وربما ما حصل معك كان خيرًا لك.

أما بالنسبة إلى سؤالك: " إلى متى سيستمر هذا العقاب؟ وما الحل!

أقول لك غاليتي:
يجب أن يكون لديك الرغبة والإصرار في نسيانه، والخروج مما أنت فيه الآن، واعلمي أن الخلافات التي حدثت بينكما لا تبشر بالخير مستقبلًا، فكل ما عليك هو الخروج من الحالة التي أنت فيها، وأنا أعلم أن نسيانك له ليس بالأمر السهل عليك، ولكنه ليس بالمستحيل، واعلمي –غاليتي- لو اجتمع أهل الأرض على أن يقدموا لك زوجًا لم يكتبه الله لك لما استطاعوا.

كل ما عليك هو التسليم بقضاء الله وقدره؛ فهو -جلَّ وعلا- وحده مُقسم الأرزاق في المال والزواج، فابتعدي عن التخيلات في الأيام التي مضت، وابتعدي عن الأماكن التي تذكرك به قدر الإمكان، وحدثي نفسك بصوت عال وقولي: "هو لم يعد من نصيبي، وأنا راضية بما قدر الله لي"، مع التسليم الصادق برحمته.

كل ما أرجوه منك -بنيتي الحبيبة- هو أن تصغي جيدًا فيما أود قوله لك للخروج من الحالة العاطفية والشعور في عقدة الذنب والندم:

أولًا: الرضا واليقين بالعوض من أهم فوائد الإيمان بالقضاء والقدر، حيث قال الرحمن: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، والله بكل شيء عليم"، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: "ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدًى في قلبه، ويقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، فلا تجعلي –بنيتي- خوفك من عدم توفر البديل يجعلك تدخلين في ظلمات الندم وجلد الذات.

ثانيًا: اعلمي أن طريقة التفكير التي تؤدي إلى التأنيب الزائد ينتج عنها الكثير من الأمراض النفسية، والطب يقول: "إن الحزن الشديد، والأفكار السلبية يؤثر بشكل خطير على القلب، لأنهما يزيدان من إفراز هرمون الأدرينالين، ويصبح الإنسان عرضة للإصابة بالاكتئاب، والذي بدوره يقلل من قدرة الجسم على مواجهة الكثير من الأمراض التي تصيب القلب".

ثالثًا: توقفي –بنيتي- عن تأنيب النفس وجلدها، لأنها تودي بك إلى خسارة الثقة بالنفس، والتقليل من قدراتك أمام نفسك، ونحن بدورنا نريدك أن تكوني فتاة مسلمة قوية تعتز بدينها ويكون لها دور فعال يستفيد منه المجتمع الإسلامي، ورسولنا الأكرم عليه صلوات وسلام من رب البرية قال لنا: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في بدنه وعمله".

رابعًا: أيقني أن الله لا يقدر لك شيئًا يضرك، وأيقني أن الزواج رزق، ولا يؤتى إلا بطاعة الله ومراعاة حدوده الشرعية، وديننا الحنيف وضع لنا ضوابط لاختيار الشريك، ليبارك الله لنا فيه، ولأنها تجلب السعادة للحياة الزوجية، وهذه الضوابط هي الخلق والدين، فهذان الشرطان هما أساس شروط الزواج: أن يكون الخاطب صاحب دين واستقامة، وأن يكون صاحب خلق.

خامساً: اشغلي نفسك بتطوير قدراتك المهنية عبر إنجازات مميزة لمشاريع تساعد على تنمية وتطوير القطاع الخاص الذي تعملين به، وأنصحك بالمشاركة في دورات تأهلية عن الحياة الزوجية وأسس الحوار والتفاهم، ومعرفة الحقوق والواجبات الزوجية وما شابه... ونرجو منك ألا تتبعي أخباره ولا تعيريه أي اهتمام.

سادساً: أنصحك بألا تُخبري مَن يتقدم لخطبتك بسبب فسخ خطوبتك، ولا تُكثري من الكلام في هذه الأمور، فليس من حق أحد عليك أن تُخبريه بما كان منك قبل معرفته.

سابعاً: حافظي على الصلوات الخمس، وأكثري من الدعاء والاستغفار، وقد قال الصادق المصدوق الأمين: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب".

أسأل الله لك الزوج الصالح الذي يعي قدرك ويتوجك ملكة تتربع على عرش الحياة الزوجية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً