الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غيرتي الشديدة على زوجي أتعبتني نفسيا.. ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود منكم حلولاً للتخفيف من غيرتي على زوجي، في البداية كنت أغار عليه، لكني لم أصل لمرحلة الشك، فأنا أحبه جداً وأصبحت أشك به، وخاصةً أنه مسافر عني، وبت أفكر ليلا ونهارا بأفكار سلبية أن زوجي يتحدث إلى غيري مثلاً، ويراود ذهني العديد من الأفكار السلبية، حيث إن طريقة تعامل زوجي أحياناً ومزاحه مع الآخرين وعمله جلبت لي هذه الشكوك، وله اختلاطات بالجنس الآخر من أيام الجامعة وبعدها، وهو من أخبرني بذلك بطلب مني، لكنه قال أنه لم يحب أحداً في حياته غيري، لا أعرف التحكم بنفسي وطرد هذه الوساس، وأشعر بأني لا أستمتع بشيء وأشعر بالاكتئاب.

لا أعرف كيف أطرد هذه الوساوس، وأعيد ثقتي بزوجي بسبب بعض المواقف التي حصلت، وكيف أترك التفكير بهذه الأفكار، وأحسن الظن بزوجي.

أرشدوني بحلول ترضيني وترضي الله للتعامل مع زوجي، أخاف من كثرة التفكير أن تسيطر علي هذه الأفكار بشكل كامل وتدفعني للانفصال عن زوجي، نفسيتي متعبة جداً، حيث إن زوجي مسافر يقول لي أحياناً أنه يريد النوم، ومع ذلك ألاحظه نشطا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لا أدري هل من كثرة ضغوطه يتجنب الحديث معي؟ صرت أشك أنه يحادث غيري.

أريد حلولاً تعيد حياتي وسعادتي به كالسابق، حيث كنت أثق به ثقة عمياء، أحياناً أتمنى لو أني تزوجت غريباً يريحني من كل ما أفكر به، لا أعلم هل آثم بذلك أم لا؟ أيضا من كثرة التفكير وسوء نفسيتي أشعر بصداع شديد بالرأس، مع غثيان ويصيبني إسهال، هل هذا من العين؟

أرجو مساعدتي، وفقكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بيان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونشكر لك هذا التواصل المستمر مع موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك السكينة والطمأنينة، وأن يُصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم الطمأنينة والسعادة والآمال.

أولاً: ندعوك إلى أن تتعوّذي بالله من شيطانٍ همَّه أن يُحْزِن أهل الإيمان، ولكن هذا الشيطان كيده ضعيف، فاحرصي على طاعة الله تبارك وتعالى، واطردي هذه الوساوس في بدايتها، ولا تتركي يقينك في زوجك، وثقتك الأولى لأجل هذه الوساوس، وهذه الأفكار التي تتردد في ذهنك.

اعلمي أن زوجك الذي درس في الجامعات، وقابل فتيات اختارك في نهاية المطاف، وهذا دليل على أنه يُفضّلك على غيرك، وكم تمنَّينا لو أنك لم تسأليه، ولم تتجسَّسي، ولم يُخبركِ؛ لأن مثل هذه الأسئلة الإجابة عليها ليس فيه فائدة، ولكن فيه الضرر، خاصَّةً فيما سبق في حياته قبل الارتباط بك، ومعروف أن الإنسان قبل ارتباطه أو الفتاة قبل ارتباطها ربما تقدَّم لها خُطّاب، وربما فكّر في أخريات، لكن في النهاية اختارك ورضيك زوجة له وأُمًّا لعياله، وهذا دليل على أنك أحب النساء إليه، وشهادتُه في ذلك واضحة بالنسبة لك.

لذلك لا تتركي ما عندك من اليقين من أجل هذه الوساوس التي يأتي بها الشيطان، واحرصي على حسن التواصل مع زوجك، واجتهدي في أن تكوني معه، تعاونوا في أن يكون معك أو تكوني معه؛ لأن هذا هو الأصل، ولكن سوء الظن والتفكير بهذه الطريقة السالبة غير مطلوب وغير مفيد، وفيه حرج وإشكال من الناحية الشرعية؛ لأن الأصل هو حسن الظن، والغيْرَة ممدوحة ما لم تكن زائدة عن حدِّها فتنقلب إلى شكوك، الغيرة دليل على الحب، لكنّها عندما تزيد عن حدِّها تنقلب إلى ضدِّها.

نتمنَّى أن تكتمي هذه الوساوس عن زوجك، ودائمًا ظُنِّي به خيرًا، فإن الإنسان يتأثر بالظن الحسن، ويندفع نحو الفضائل، واجتهدي في تذكيره بالله تبارك وتعالى، وكوني أنت مع الله بدعائك، لعلَّ الله تبارك وتعالى يجمع بينكم ويحقق لك كل الأماني التي في نفسك.

مرة أخرى نكرر: عليك طرد هذه الوساوس؛ فإن الشيطان إذا دخل على المرأة بهذه الطريقة فإن همَّ الشيطان أن يُخرِّب البيوت، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولذلك لا تُعطي لمثل هذه الوساوس – كما قلنا – فكرة، بل طارديها في بدايتها قبل أن تتحول إلى فكرة وإرادة، قبل أن تتطور هذه الأمور، واشغلي نفسك بالفضائل، واشغلي نفسك بالعبادات والطاعات وبالأمور المفيدة والهوايات النافعة، وتواصلي مع زوجك، وظُنّي به حسنًا عندما يشكو من التعب، أو عندما تجدي خطّه مشغولا أو نحو ذلك، ما ينبغي أن تحملي ذلك على أسوأ المحامل، فربما يُكلِّم زميلاً، وربما الخطوط متشابكة، وربما وربما.

لذلك أيضًا نحن لا نعرف مقدار تواصلك معه، والأوقات التي تتواصلين فيها معه، ولا نعرف وضعه، ولذلك أيضًا من المهم أن تكون الزوجة على تواصل مع زوجها، لكن من المهم جدًّا أيضًا أن تحرصي على أن يكون الوقت متوافقًا، فمن المفيد أن تنامي في الوقت الذي ينام فيه، وتستيقظي وتتواصلي معه في الأوقات المناسبة، حتى يتمكّن من الرد عليك والكلام معك.

أمَّا ما يحدث لك من صداع وآلام فربما لها علاقة بما يحدث، ولا مانع أيضًا من قراءة الرقية الشرعية على نفسك، فإن بعض الأشياء النفسية تتحوّل إلى أعراض جسمية، وأيضًا التفكير الكثير والهم والغم: هذا كلُّه يؤثّر على صحة الإنسان.

لذلك حتى تبلغي العافية أرجو أن تطردي هذه الوساوس، وكوني على الظنّ الحسن بزوجك، واجتهدي في أن تكوني حاضرة في ذهنه بدعائك وبالرسائل الجميلة التي تُرسليها له، وادفعيه نحو الفضائل، وأمِّلي الخير، وأبشري بالخير، ولا تدفعي زوجك نحو الهاوية، فإن شعوره أنك لا تثقين فيه، وأنك تتجسسين عليه وأنك تحاولين أن تعرفي ما الذي يحدث، وأنك تظنّين أنه يُكلِّمُ أخريات؛ هذا كلُّه ليس من المصلحة، هذا كلُّه يدفعه نحو الهاوية، بل الأصل أن تُحسني به الظنّ كما عرفْتِه وكما عرفك، ونسأل الله أن يؤلِّف القلوب، وأن يجمع بينك وبينه على الخير، ولا مانع من أن تُراجعي طبيبة نفسية في هذا الجانب، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
++++++++++++
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي المستشار التربوي والشرعي
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
++++++++++++

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.

أجابك الدكتور الشيخ/ أحمد الفرجابي - جزاه الله خيرًا - إجابة بليغة وإجابة مفيدة، فأرجو أن تسترشدي بها وتأخذي بما أورده الدكتور، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بذلك.

من ناحيتي أقول لك أن الغيرة - كما ذكر الدكتور - حين تكون بشكل معقول هي طيبة، وهي دليل على الحب، ودليل على الثقة في ذات الوقت، ودليل على حب احتكار الزوج، لكن حين تخرج عن هذا النطاق فلا شك أنها مؤذية لك وله، والغيرة قد تكون غيرة عُصابية من النوع المحمود والبسيط، وقد تكون غيرة مرضية، تصل لمرحلة الظنان ولمرحلة الإطباق ولمرحلة الوسواس المستحوذ والمُلِح، وفي هذه الحالة لابد من مقابلة الطبيب النفسي وأخذ علاجات مضادة للوساوس والشكوك.

أنا لا أعتقد أنك قد وصلت لهذه المرحلة، أعتقد أن الذي بك هو ناتج من حساسية شخصيتك، وأصبحت تترصدين كل سلوكٍ يصدر من زوجك ليثبت لك أنه ليس له علاقات خارج الزواج.

ذكرت أنه رجل مريح، ويتكلم مع الآخرين، هذا أمرٌ جيد، أفضل كثيرًا من الانقباض والانطوائية والانكماش والتقوقع حول الذات.

أنا أرى أن تقاومي هذه الأفكار، أن تحقّري هذه الأفكار، وأن تستعيني بالله تعالى، وأن تنظري إلى الأشياء الجميلة في زوجك، بدل الشك فيه والوسوسة انظري إلى سماته الجميلة، إلى صفاته الطيبة، معاملته لك، ودائمًا حاولي أن تتواصلي معه بصورة فيها شيء من الثقة، لا تُبدي هذه الشكوكِ، ولا تُبدي ظنانياتك لزوجك أبدًا، هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، وأنا متأكد أنه سوف يكون كتابًا مفتوحًا بالنسبة لك، لن يخفي أي شيء.

الأمر كلُه يقوم على تغيير الفكر الوسواسي، ويقوم على الثقة، ويقوم أيضًا على الدعاء، الدعاء سلاح عظيمٌ جدًّا في مثل هذه الحالات، سلِ الله تعالى أن يحفظك، وأن يحفظ زوجك، وأن يزيل هذا الذي في داخل نفسك، وحين تأتيك هذه الفكرة في بداياتها خاطبي الفكرة قائلة: (أنتِ فكرة وسواسية حقيرة، أنتِ فكرة شكوكية، أنا أحب زوجي وزوجي يحبني، زوجي عزيز، زوجي كريم، زوجي نقي، زوجي ليس له علاقات خارج الزواج ... وهكذا) أسقطي على نفسك نوع من الفكر المخالف تمامًا.

هذا هو الذي أنصحك به، والأمر في غاية الوضوح، كما أوضح لك الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي جزاه الله خيرًا، وهو صاحب علم غزير جدًّا في هذا المجال، فأرجو أن تستفيدي ممَّا ذكره لك.

جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً