الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كرهت حياتي والناس كرهوني بسبب تبلد مشاعري.. أريد حلا

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور الفاضل: محمد عبد العليم

أعاني من تبلد المشاعر منذ أكثر من ٧ أشهر، لم أعد أفرح ولا أحزن، فقدت طعم الحياة، وكأني جماد، تعبت، وكل يوم نفس الروتين، لا أتغير مهما فعلت من أمور تسليني، دماغي لا يستجيب لأي شيء، وكأنه متعطل منذ مدة، وأشعر بضيقة في الصدر، ورغبة في البكاء بدون سبب، وأشعر أن قلبي لا ينبض، ورأسي فيه فراغ. كرهت حياتي، والعالم كرهوني بسبب تبلدي، أريد أن أتغير، وأعود في قمة الإيجابية مثل ما كنت.

علماً أن هذه الحالة بدأت بسبب الخوف من الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هيثم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

كما تفضلت أن مشكلتك الجوهرية هي خوفك من الموت، وهو الذي ولَّد لديك هذه الأفكار السلبية والمشاعر المتجمّدة، والوجدان غير التفاعلي – هكذا أحبُّ أن أسمّي الأمور بهذه التسميات -.

الخوف من الموت – أيها الفاضل الكريم – يجب أن يكون قضية محسومة، الخوف من الموت لن يُوقف الموت، والخوف من الموت لن يعجِّل به، الأمر كلُّه في كتاب محدد {لكل أجلٍ كتاب}، {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخّر}، ونحن نؤيد أو نريد من الناس أن يكون لديهم ما نسمِّيه بالخوف المحمود من الموت، هذا مطلوب، وهو أن نخاف أن يأتينا الموت ونحن مفرطون في الواجبات أو منغمسون ومتلطخون بالآثام والمحرمات، هذا خوف محمود، هذا خوف طيب، هذا خوف إيجابي، هذا خوف شرعي؛ لأنه يحملنا على إصلاح أحوالنا وذواتنا، من باب قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ)) [رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي]، ومن باب قوله صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمِ الْآخِرَةَ)) [رواه أحمد]، وكلنا يكره الموت كما قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: (إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ) فقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشَّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ))، أمَّا الخوف المرضي من الموت – الخوف الذي يقعد الإنسان عن العمل، ويجعله مُحبطًا، ويجعله في يأس وقنوط – فهو مرفوض تمامًا، لا ينفع، بل يضر بصاحبه غاية الإضرار.

فإذًا – أيها الفاضل الكريم – خذ بهذا المبدأ السليم والمبدأ الصحيح، وأعتقد أن ذلك سوف يبعثك فكريًّا بصورة جديدة ومختلفة تمامًا.

الأمر الثاني: يجب أن تُدرك أننا نحن الذين نُغيّر مشاعرنا، نحن الذين نُبدِّل كياننا، نحن الذين نستفيد من طاقاتنا، نحن الذين نُدير حياتنا، نحن باستطاعتنا تغيير ما بأنفسنا، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فانطلاقًا من هذا اجعل لحياتك معنىً، اجعل لحياتك أهدافًا حتى وإن كانت أهدافًا صغيرة، لا تطاوع نفسك في التسيُّب والتراخي وخداع النفس، ولا تطاوعها في التسويف، أنت شاب، حباك الله بهذه الطاقات العظيمة، فتحرَّك، وأحسن إدارة وقتك، احرص على عباداتك، كن بارًّا بوالديك، تواصل اجتماعيًّا، لا تتخلف عن واجب اجتماعي أبدًا، واعلم – وممَّا لا شك فيه – أن قيامك بالواجبات الاجتماعية (أن تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، أن تتواصل مع أصدقائك، أن تصل رحمك، وحتى أن تصلي مع الجماعة) هذا يُعزِّز مشاعرك ويجعلها مشاعر إيجابية، ويُعطيك الشعور بالقيمة، أنت الآن مشاعرك متبلّدة؛ لأنك لا تشعر بقيمتك في الحياة؛ لأنك لا تشعر بفائدتك لنفسك ولغيرك، أنت مُعطّلٌ وجدانيًا، لكن هذا كلُّه بيدك، فأرجو أن تتجه اتجاهًا إيجابيًا، على الأسس التي ذكرتُها لك.

هناك دواء يُسمَّى (فالدوكسان Valdoxan/أغوميلاتين Agomelatine) دواء جيد، مضاد للاكتئاب، ذُكر أنه يرفع من مشاعر الإنسان، ويجعلها أكثر إيجابية، يمكنك أن تُجرِّبه، لكن هذا الدواء يحتاج أن تفحص الدم لوظائف الكبد قبل أن تبدأ تناوله، وثلاثة أسابيع بعد تناوله، ثم ستة أسابيع بعد بداية تناوله، والسبب في ذلك أن حوالي 2% من الناس قد يؤثّر هذا الدواء على وظائف الكبد لديهم، وفي هذه الحالة لا يُسمح بتعاطي الدواء، الجرعة في حالتك هي خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ستة أشهر.

وللفائدة راجع هذه الروابط: (2181620 - 2250245 - 2353544 - 2419484).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً