الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الخوف من كل شيء، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من خوف دفين في صدري لا يعلم عنه أحد سواي، خوف من الأمراض والكوارث نابع من تجارب سيئة تراكمت عبر السنين.

أنا ضعيف بدنياً، شخصيتي متناقضة مرة قوية ومرة ضعيفة، تنمر أخي علي بالضرب والسب كثيرا فسبب لي خوفا من الوقوع في المضاربة مع أي أحد، فلا أستطيع الدفاع عن نفسي، بدأت ألاحظ هذه المخاوف بعد إصابتي بالقولون الذي دمر حياتي، فامتنعت عن الأكل فنزل وزني عشرات الكيلوجرامات خلال شهور، وكرهت الدراسة، وأصبت بالعجز والكسل والاكتئاب، حتى أصبحت أبكي فجأة، تكررت زيارتي للمستشفى كثيرا، التحاليل والمناظير سليمة، لكن الألم ينغص علي حياتي، فصرت أخاف من الأكل -تحسنت الآن- ولكن بقى عندي رهاب القيء، أفضل الموت على أن أتقيأ، أشعر بهلع ورجفة وخفقان وخوف شديد جداً وكأن أسدا يلحقني، فامتنعت عن أي شيء قد يسبب القيء حتى لو كان دواء.

غالبا يكون إحساس القيء عبارة عن غازات تخرج من المعدة، لكني فعلا أشعر أن السوائل تخرج من المعدة إلى منتصف المريء ومن ثم تعود – لست مصابا بالارتجاع-، وعندي دوالي الخصية، وأخاف من إجراء العملية بسبب عملياتي السابقة التي شعرت فيها بالألم، مع أني تحت تأثير البنج الموضعي، مثلا في المنظار تألمت جدا مع أني مخدر، وفي عملية أخرى في القدم تألمت فصرت أخاف من الجراحة، فما الحل مع هذه المخاوف؟ غالبا أنسى هذه المخاوف، وما أن أشعر بألم ما، ظهرت في إدراكي.

ردات فعلي مع المرض مبالغ فيها، وما عندي قوة تحمل للمصائب، يظن الناس أني قوي وجريء ومتحدث جيد، ولكني أشعر بضعف وخوف عميق في قلبي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فعلاً الذي بك هو قلق مخاوف، خاصة الخوف والوسوسة حول الأمراض، كما أن تقديرك لذاتك ضعيف، وأول ما تشرع فيه – أخي الكريم – هو أن تُعيد صياغة طريقة تفكيرك على أساس جديد، وهو أن الإنسان يمكنه أن يتطور، ويمكنه أن يتغيّر، هذا يجب أن يكون أمرًا مبدئيًا بالنسبة لك، وأنصحك بالرفقة الصالحة والطيبة.

تستطيع من خلال الأصدقاء والأخلاء المتميزين أن تُعيد بناء شخصيتك – أخي الكريم –، الرفقة الصالحة مهمّة جدًّا في مثل حالتك، ربما يكون قد وقعت في أمثلة خاطئة في أيام الطفولة، وحدث البناء النفسي على أسسٍ ليست سليمة، لكن يمكن أن تتطبّع تطبُّعًا جديدًا، يمكن أن تعيد بناء شخصيتك، وذلك من خلال رفقة صالحة، هذا مهمٌّ جدًّا، فالإنسان يتأثّر برفقته، وهنالك ما نُسمّيه بضغط الزمالة، وضغط الزمالة أمرٌ مطلوب جدًّا في حالتك، فانقل نفسك لبيئةٍ طيبة، ويجب أن تُدرك وأن تعلم وأن تتيقّن أن الله تعالى قد خلقك في أحسن تصوير (تقويم)، وأعطاك القدرات والمهارات، فلا تُقلِّل من قيمة ذاتك، كيف لإنسان أن يُقلِّل من قيمة نفسه ويعرف – أو يجب أن يعرف – أن الله تعالى قد كرّمه؟! صحح هذه المفاهيم الخاطئة لديك.

الأمر الآخر هو: يجب أن تجعل لنفس هدفا، وهدفك يجب أن يكون التميز الأكاديمي في هذه المرحلة، وأن تكون أيضًا شابًّا ورعًا مُصلِّيًا مهتمًّا بعباداتك، وبوالديك، وتساعد الضعيف، ابن هذه القيم العظيمة في داخل نفسك، وهي تقوّي شخصيتك تمامًا، أحسن إدارة الوقت، لأن إحسان إدارة الوقت يُعلِّم الإنسان إحسان إدارة حياته، ويحس الإنسان بإنجازاته من خلال ذلك، اهتمَّ بطعامك، عليك بالنوم الليلي المبكّر، وتجنب السهر، ويجب أن تكون لديك مشاركات فاعلة جدًّا في أسرتك.

أيها الأخ الكريم: تخوفك المرضي كلّه لا أساس له، موضوع الآلام العامة (الرجفة، الخفقان، موضوع الخصيتين، الجهاز الهضمي)، هذه كلها أعراض نفسوجسدية.

اتبع ما ذكرتُه لك من إرشاد، و-إن شاء الله تعالى- سوف تتحسّن الأمور، وأريدك أيضًا أن تُضيف أمرًا مُهمًّا، وهو: ألَّا تتردد بين الأطباء، لكن من حقك أن تذهب مثلاً مرتين في السنة إلى طبيب الأسرة لإجراء فحوصات عامة، وأن تعيش الحياة الصحية، من خلال تنظيم الغذاء، ومن خلال ممارسة الرياضة، هذا أيضًا يعطيك دفعًا علاجيًا نافعًا.

وأنت محتاج لأن تتناول أحد أدوية القلق والمخاوف، عقار (سيرترالين) سيكون دواء جيد جدًّا بالنسبة لك، وأنت تحتاج له بجرعة صغيرة، تبدأ بنصف حبة – من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا، أي تتناول خمسة وعشرين مليجرامًا – يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم اجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، بعد ذلك خفض الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

وهنالك دواء آخر داعم مفيد وسليم، وأيضًا تحتاج له أنت بجرعة صغيرة، الدواء يُعرف علميًا باسم (سلبرايد) واسمه التجاري (دوجماتيل)، تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا في الصباح لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً