الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والداي منفصلان، فكيف أقوم ببرهما معًا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 18 سنة، وحالتي النفسية سيئة وتؤثر على شخصيتي وسلوكي، والسبب أن والديّ منفصلان منذ 10 سنوات وما زلت لا أستطيع تخطي ذلك الأمر، فأنا أرغب في حياة أسرية تجمعني بأبي وأمي، لم أشعر بأهمية العائلة عند انفصالهما لصغر سني، وأيضا يصعب علي برهما بالطريقة الصحيحة، أو في نفس الوقت وهما منفصلان.

أمي لا تحب بقائي مع أبي كثيرا، لذا عشت معها بعد الطلاق بمفردنا في دولة أخرى لظروف عملها، وهذا أبعدني عن أهلي كثيرا، وضعفت علاقتي بهم، وحرمت من أبي طويلا.

أنا الآن أعيش مع أبي، ولكن سلوكي معه غير جيد، وهذا يضايقني، فأنا أحمله ذنب انفصاله عن أمي، فقد كان السبب الرئيسي في تدمير نفسيتها، أيضا صرت لا أشعر بوجود عائلة حتى وأنا في وسط أهل أبي وأمي، ولا أحس بطعم هذه اللحظات، وأستحي منهم، وأشعر أنهم غرباء عني.

الأهم أني لا أستطيع إرضاء والديّ في نفس الوقت، وقد حاولت إرجاعهما لبعضهما، ولكن أمي مصرة على الرفض، وعندما أكلمها في الموضوع يصيبها حزن شديد، فاضطر أن أسكت، فكيف أبرهما في نفس الوقت؟ علما أن أمي ترفض جلوسي مع أبي، وأبي يحزن لأني انحاز لأمي، وقد جربت كل الحلول معهما، ولم يتغير شيء، وهل لعدم مقدرتي على برهما في نفس الوقت سيكون الله غير راض عني؟

وآسف للإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
فإن من رحمة الله بعباده أن جعل الفراق بين الزوجين مخرجا من كثير من المشاكل التي صعب علاجها، وضاق على أحد الأطراف الاستمرار في الحياة، ولو كان عقد الزواج حتمي الاستمرار لضاقت الحياة بالبعض، والله -جل وعلا- أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فهو سبحانه حين شرع الطلاق يعلم أن البعض عنده أبناء، ولكنه سبحانه وتعالى يبتلي من شاء بما شاء تمحيصا للذنوب ورفعة للدرجات، وبعض الناس يعانون من أمراض نفسية بسبب كثرة المشاكل بين الوالدين رغم أنهما لم ينفصلا.

قد تكون هنالك تفاصيل فيما حصل بين والديك أنت غير ملم بها، ولذلك حساب كل منهما على الله تعالى الظالم والمظلوم، فلا ينبغي أن تحمل هذا أو ذاك وأنت لا تدرك جميع التفاصيل، وعليك أن تكون متوازنا في حياتك ولا تجعل هذه الأمور تعيق تقدمك أو نجاحك في هذه الحياة.

من التوازن أن تعطي كل ذي حق حقه، وأهم تلك الحقوق حقوق الوالدين مهما حصل من تقصير، لأن الله حين أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما لا لأي صفة من الصفات سوى أنهما والدين فقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) وقال:(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، فيجب عليك أن تكون مطيعا لهما بارا بهما وإياك أن تغضبهما، حتى لا تصيبك دعوتهما، فدعوتهما مستجابة وحق الوالدة أعظم من حق الوالد لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك) الحديث.

الوالدان لهما البر والإحسان والطاعة إلا في معصية الله تعالى كما قال سبحانه: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).

لا تحمل في قلبك شيئا على أي منهما وتعامل معها بلطف فلا تكن جلفا ولا ترفع صوتك عليهما، كما قال تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

أوصيك كذلك ألا تصغي إلى كلام أي منهما في الآخر، فاستمع لمن تكلم معك، لكن لا تجعل ذلك يفسد علاقتك مع الطرف الآخر، واجتهد في تقوية إيمانهما من خلال حثهما على العمل الصالح، فذلك من أسباب تليين القلوب، ولعل الله يوفقك للجمع بينهما مرة أخرى.

عليك بالدعاء فاقرع باب ربك وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل ربك أن يصلح والديك وأن يلين قلبيهما وأن يجمع بينهما، وأكثر من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يكفيك ما أهمك وأن يعطيك من الخير ما تتمنى ويصرف عنك كل مكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً