الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وساوس أوصلتني لدرجة خطيرة

السؤال

السلام عليكم.

لدي مجموعة أسئلة وأرجو الإجابة عنها، وأنا أعتذر عن كثرتها وعن مضمونها، لكن يشهد الله لحرصي الشديد على ديني، فإني أشهد الله تعالى أني أحب الله ورسوله، وأكره الكفر كما أكره أن يقذف بي في النار.

أنا رجل مصاب بالوسوسة منذ سنوات طويلة (أكثر من عشر سنين)، وقد كانت وساوسي في البداية تتعلق بأمور الطهارة والشك في الصلاة زيادة ونقصاً، وما شابه ذلك، لكنها في الآونة الأخيرة تطورت بشكل مخيف، قلبت حياتي إلى جحيم، وحرمتني لذة العبادة التي كنت أشعر بها سابقاً، فهي لا تفارقني (البتة)، ولا أبالغ إن قلت لكم بأنها على مدار الدقيقة.

أصبحت بسببها أكلم نفسي، وأبكي وحدي، وأبقى إلى ساعات متأخرة من الليل مسترسلاً مع هذه الوساوس، حتى إن زوجتي وأطفالي لاحظوا ذلك، مع أنني أحرص كل الحرص على أن لا أظهر ذلك أمامهم، لخوفي الشديد عليهم، وخجلي من الله ثم منهم، وقد حاولت مراراً وتكراراً التخلص منها لكن دون جدوى.

أغلب أسئلتي، بل كلها متعلقة بمسائل الكفر عافنا الله وإياكم منه، حتى وصلت إلى درجة أني أعتبر نفسي كافراً، ولا فائدة من صلاتي ولا أي عبادة أقوم بها، ولا أستحق أن أكون مسلماً، من خلال ما يقع مني، أو من خلال ما يجول في نفسي من خواطر ووساوس شيطانية، تجعلني أتلفظ بالشهادة باليوم الواحد أكثر من عشر مرات، بل قد تصل إلى العشرين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Hamza حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الكريم- ورداً على استشارتك، أقول متوكلاً على الله تعالى مستمداً منه العون والتوفيق:

لو نظرت إلى الوساوس لوجدتها تنتاب أكثر الناس، ولكن تعاملهم معها يتفاوت، فمن احتقرها ولم يهتم بها ولم يتحاور معها نجا منها ومن شرها، أما من استقبلها وتحاور معها وفكر فيها واسترسل فهذا هو الذي يقع في حبائلها، وأنت أيها الأخ الكريم أوتيت من هذا الباب الخطير جداً.

الوساوس مصدرها الشيطان الرجيم، وعدو الإنسان اللدود، فهو ينزعج من صلاح حال المسلمين واستقامتهم، فيكيد لهم عن طريق هذه الوساوس، من أجل أن يفسد عليهم حياتهم، ويجعلهم لا يذوقون لها طعماً، ولا للإيمان حلاوة، ولا يمكن أن يترك الشيطان من تقبل وساوسه وبدأ بالتحاور معها، بل إنه ينقلها من نوع لآخر، حتى يجعله يشك في دينه ويوصله إلى ترك عبادة الله تعالى، حينئذ يشعره بأنه ارتاح من عذاب النفس.

لقد حثنا نبينا عليه الصلاة والسلام على قطع الوساوس فور ورودها، وجعل ذلك من أفضل علاجها، وقاطعاً لمادتها، فقال عليه الصلاة والسلام: (يَأتيِ ْالّشَّيْطَاْنُ أحَدَكُمْ فَيَقُوْلُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَاْ؟ حَتَّىْ يَقُوْلُ لَهُ مَنْ خَلَقَ ربَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ) وفي رواية: (فَمْن َوَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاْللهِ)، ومعنى ذلك الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.

لقد كان الوسواس يأتي للصحابة الكرام رضوان الله عليهم يريد أن يلبس عليهم عباداتهم فقد أَتَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي) فوصف له العلاج بخطوتين الأولى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم الثانية النفث بدون ريق عن اليسار ثلاثا وبهذه الطريقة ينطرد الوسواس بإذن الله تعالى.

أعود فأقول إن أفضل علاج لطرد الوساوس هو احتقارها وتجاهلها وعدم الاسترسال أو التحاور معها مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور ورود الوسواس والقيام من المكان الذي أتتك الوساوس فيها وشغل النفس بأي عمل يلهي عن الاسترسال مع الوساوس وترك الخلوة بالنفس فإن ذلك مما يريده الشيطان منك كي يختلي بك ويورد عليك الوساوس.

أنت مسلما ولست كافرا بل هذا نوع من الوساوس فلا تلتفت لهذه الوساوس واستعذ بالله من الشيطان الرجيم وصلاتك وعباداتك صحيحة فلا تسمح للشيطان أن يلبس عليك دينك واقطع وساوسه بهذا الخصوص.

ما يجول في خاطرك لست محاسبا عنه ولا حكم له؛ لأن الله تعالى من رحمته رفع الإثم عن هذه الأمة عما حدثت به أنفسها ففي الحديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم) وعلى ذلك فلا تحتاج أن تتلفظ بالشهادتين لأن التلفظ هو ما يريده الشيطان منك فلا تطاوعه أبدا فأنت مسلم والحمد لله.

أوصيك أن تكثر من تلاوة القرآن واستماعه وأن تحافظ على أذكار اليوم والليلة ففي ذلك إعانة على طرد الوساوس بإذن الله تعالى.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وتحين أوقات الإجابة وسل ربك أن يدفع عنك وساوس الشيطان الرجيم وأكثر من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً