الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من مرض تعدد الشخصيات وانفصام الشخصية.. ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

بارك الله فيكم على هذه الموقع الأكثر من رائع.

أعاني من مرض تعدد الشخصيات وانفصام الشخصية منذ أكثر من ثلاثة سنوات، تجبرني الشخصية الآخرة على فعل أمور لا أريد صنعها، فتتحكم بي بشكل مطلق، فأفقد حرية الاختيار وحرية الإرادة.

أنا لا أعمل منذ ٣ سنوات، ولا أقوى على العمل بسبب تعدد الشخصيات، فأبسط الأشياء لا أقوى على صنعها، ولا أستطيع التأقلم في هذه الحياة، ولا يوجد لدي هدف في الحياة، وإن كان لي هدف فلا أستطيع تحقيقه بسبب مرض تعدد الشخصيات، ولا يوجد لدي خطة للمستقبل، ولا أعلم كيف سأمضي عمري في هذه الحياة، ما نصيحتكم لي مع هذه المرض؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء.
أخي: لماذا تخيّرت هذه التشخيصات الضخمة (تعدُّد الشخصيات، انفصام الشخصية) مَن الذي أطلق عليك هذه المسميات – أخي الكريم – مع احترامي الشديد للطبيب إذا كان هناك طبيب أطلق عليك هذه المسميات، فأنا دون أن أفحصك أقول لك أننا في الطب النفسي الحديث لا نعترفُ كثيرًا بما يُسمَّى تعدُّد الشخصيات أبدًا.

الإنسان ربما تكون لديه سمات مختلفة في شخصيته، لكن الشخصية واحدة، أساسها واحد، جوهرها واحد، لكن الشخصية قد تكون قلقة مثلاً، قد تكون موسوسة، قد تكون اكتئابية بعض الشيء، قد تكون شخصية تجنُّبيّة... هذه سمات مرتبطة بالشخصية، لكن لا نقول أن الإنسان سوف يُشطَّر ويُقسَّم إلى شخصيات متعددة، هذه مصطلحات في الطب النفسي القديم أتتْ بها المدرسة التحليلية الفرودية، والآن لا قيمة لها.

فأنا أرجو أن تأخذ هذا مني – أيها الفاضل الكريم – وبالنسبة لانفصام الشخصية: أيضًا هذا مصطلح خاطئ، هناك مرض الفصام وهو مرض الفصام العقلي (شيزوفرينيا Schizophrenia) كما يُسمَّى، هذا مرض له معاييره التشخيصية، وليس مرضًا سهلاً، لكنّه الآن يُعالج بصورة فاعلة جدًّا.

فيا أخي الكريم: أرجو أن لا تستكين لهذه المسميات أبدًا، وأنا أعرف أن هنالك أساتذة جامعات لديهم مرض الفصام، أعرفُ ذلك، هنالك أساتذة جامعة لديهم الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وهنالك أطباء موسوسون، وكل هذه الأمراض أصبحت موجودة – أخي الكريم – مثل الضغط والسكري والأمراض الأخرى، لكنها تُعالج، تتطلب المتابعة مع الطبيب المختص، الطبيب الثقة، تتطلب أخذ العلاج، تتطلب تغيير نمط الحياة ... وهكذا.

أنت الآن تقول أنك فاقد حرية الاختيار، لا، لا أتفق معك مع احترامي الشديد، الله تعالى أعطاك العقل، وأعطاك القدرة والقوة، مجرد مخاطبتنا بإرسال هذه الرسالة الشبكة الإسلامية هذه حرية اختيار، اخترت أنت أن تُخاطبنا وأن تتكلم عن مشكلتك، لا، الله تعالى أعطاك البصيرة، فلا تُسقطها عن نفسك – أخي الكريم – ولا تجد لنفسك الأعذار السلبية أبدًا، أقْدِم على العمل، أقْدم على الحياة، كل الذين يتحركون يفعلون ويتفاعلون ليسوا بأفضل منك أبدًا، الله تعالى وهبنا القدرة والطاقة والمهارات والإمكانات العجيبة، والإنسان مُيِّز بهذا العقل الجبار على كل مخلوقات الله، نعم هذه المهارات وهذه الطاقات قد تكون في حالة من الخمول، لكننا نحن الذين نُحرِّكُها لنتغيّر، وأكد ذلك ربنا عز وجل بقوله: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}، وقال: {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

فيا أخي الكريم: لا تتوجس، لا تكن سلبيًّا.

أنا أرى أنه ربما يكون لديك مزاج اكتئابي، هذا هو الذي أدخلك في هذا التفكير السلبي، لا – يا أخي – انهض بنفسك، كن متفائلاً، ابحث عن العمل، أدِّ صلواتك في وقتها، عليك بتلاوة القرآن، الذكر، عليك بالتواصل الاجتماعي، رفّه عن نفسك، مارس أي رياضة، هذه هي الحياة، وأرجوك أن تُسقط هذه المسميات التشخيصية السالبة عنك.

أنا سأصف لك بعض الأدوية البسيطة التي ربما تُحسّن عندك الدافعية، وتُحسّن من مزاجك، عقار (بروزاك) والذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين) دواء ممتاز جدًّا، يُضاف إليه جرعة صغيرة من عقار يُسمَّى (إرببرازول).

الفلوكستين تبدأ في تناوله بجرعة عشرين مليجرامًا (كبسولة واحدة) يوميًا، تتناولها لمدة أسبوعين، ثم اجعل الجرعة أربعين مليجرامًا يوميًا، تناولها لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، ثم اجعلها كبسولة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها كبسولة واحدة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الدواء.

أمَّا الإرببرازول فتتناوله بجرعة خمسة مليجرام يوميًا صباحًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله.

أدوية سليمة، وفاعلة، وتُحسّن الدافعية عندك، وإن كان بالإمكان أن تتابع مع طبيب نفسي، فهذا أيضًا سيكون أمرًا إيجابيًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً