الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس في العقيدة أتعبني كثيرا، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا تلميذة متفوقة في الدراسة ولا زلت كذلك، عمري 15، بدأت مشكلتي في وساوس العقيدة، أعلم الحديثين الشريفين على أن الإنسان لا يحاسب على ذلك، لكنه أمر مزعج، عبارة عن وساوس شرك، كرهت الأمر كثيرا، كنت أنشغل بقصص الأنبياء وتفسير القرآن، خصصت القدر الأكبر من وقتي لذلك.

كنت تركت كل شيء حرفيا، وقررت ختم القرآن حفظا وقيام الليل، وبدأت تلك الوسوسة بالظهور، قلت أن السبب هو الشيطان وفعلا قرأت في موقعكم الكريم أن التجاهل هو الحل الأساسي، بدأت أتجاهل ذلك ومرت الأيام وأنا على تلك الحالة إلى أن جاء اليوم الذي جاءني فيه الشك في الدين، أحسست بالإنقباض الشديد في قلبي ولم أستطع أن أقاومه، ظننت أني سأموت، كان شعورا سيئا للغاية لا يوصف!

حملت الهاتف وأنا أرتعش لم أتحكم به، وكتبت على يوتيوب الشك في الدين وعلاجه لم أستوعب أي شيء كأني رأيت شبحا، صليت وسألت الله اليقين وفتحت المصحف وبدأت أقرأ بصوت عال جدا وأبكي، صعدت إلى السطح وتغيرت الأمور قليلا، ارتحت ونزلت إلى البيت، ظننت أني تخلصت من ذلك لكن في اليوم التالي بدأ الألم والخوف ثانية، دعوت ولم أتوقف، تعبت ولم أستطع النوم، كنت أنام ساعتين فقط أو ثلاثا، وسواس الموت أيضا، وعلى أن الماضي وهم، وأن روحي محبوسة والتي أنظر لها في المرآة ليست أنا.

لن تتخيلوا ذلك لقد كافحت حقا في تلك الأيام، لكنني أدركت شيئا مهما هو أني أقوى مما تصورت، أنا لم أكن أريد إلا التقرب من الله، تركت الصلاة، لم أعلم أن الأمور ستتطور إلى تلك الحالة لكنني أفضل من 4 أشهرعذاب مرت. (الدواء بدون جدوى).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

قطعًا الوساوس القهرية ذات الطابع الديني ونسبةً لمحتواها الحسَّاس جدًّا والمؤلم للنفس المؤمنة – خاصة في مثل سِنّك – أمر مزعج، وأنا أقدّر حقيقة درجة المتاعب النفسية التي سبَّبها لك هذا الوسواس القبيح، لكن أُبشّرك أن الوساوس في مثل عمرك غالبًا تكون عارضة وعابرة. هذا هو المبدأ الأول.

المبدأ الثاني: العلاج سيظل كما هو: عدم الخوض في الوسواس، وعدم اللجوء لتحليله، ومحاولة إيقافه من خلال ما يُسمَّى بـ (إيقاف الفكرة)، وذلك بأن تُخاطبي الفكرة أو الخاطرة في بداياتها قائلة: (قف، قف، قف، أنت وسواس حقير، أنا لن أشغل نفسي بك أبدًا) وتكرري ذلك عشر مرات. هذا التمرين جيد جدًّا إذا طُبِّق بصورة صحيحة.

أيضًا التمارين التنفيرية مهمَّة جدًّا، مثلاً: أن تجلبي الفكرة الوسواسية أو الخاطرة الوسواسية، وفي بداياتها قومي مثلاً بإيقاع ألم على نفسك، ألم جسدي، بأن تضربي مثلاً على يدك بقوة وشدة على أي سطح صلب، وتكرري هذا التمرين عدة مرات، لكن بشرط أن تربطي ما بين وقوع الألم وما بين الخاطرة الوسواسية في بداياتها. علماء النفس والسلوك وجدوا أن إيقاع الألم هذا يُعتبر منفّرًا أساسيًّا للوسواس، لأنه لا يتواءم مع الفكرة الوسواسية. هذا التمرين أيضًا يُكرر عدة مرات.

وأنت لديك تجربة جيدة فيما يتعلق بمحاولة صرف الانتباه حين صعدت إلى السطح وتغيرت الأمور قليلاً، هذا الشيء جيد، فالإنسان لا بد أن يُغير مكانه، يُغير موضعه، يُطبق نوعًا من تمارين الاسترخاء مثلاً: تأخذين نفسًا عميقًا (شهيق) بكل قوة وبطء عن طريق الأنف، ثم تمسكي الهواء في صدرك أيضًا لمدة ثلاث إلى أربع ثوان، وبعد ذلك تخرجين الهواء بقوة وبطء عن طريق الفم. تكررين هذا التمرين عدة مرات وأنت في حالة استرخائية. هذا أيضًا من الأساليب العلاجية الجيدة.

وطبعًا آلمني قليلاً قولك أنك تركت الصلاة، لا تتركي الصلاة، لأن في ذلك مكافأة كبيرة للشيطان، لا، أنت أفضل من هذا، ارجعي إلى صلاتك، وعليك أيضًا أن تُكثري من الاستغفار. الوساوس أصابت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أصابت أفضل القرون، وثابت قطعًا أن أُناسا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشتكوا من هذه الوساوس، للدرجة التي وجدوا صعوبة في ذِكرها للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وذلك من عظيم قُبحها وفُحشها، هنالك من أتى وقال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: (والله لزوال السموات والأرض خير لي من أن أتحدث عمَّا يأتيني في نفسي)، والرسول -صلى الله عليه وسلم- طمأنهم، ودعاهم إلى قول: (قل آمنت بالله) وأمر بالانتهاء فقال: (فليستعذ بالله ولينته)، أو قال: (ثم انتهِ)، بمعنى لا تحاورها، لا تسترسل فيها، لا تناقشها ولا تخوض فيها.

فأنا أريدك الآن أن تُكثري من الاستغفار، أن تكثري من هذا الدعاء (آمنت بالله، آمنت بالله، آمنت بالله)، وتسيري على هذا الطريق.

وأيضًا لا بد أن تشغلي نفسك، لا بد أن تُديري وقتك بصورة جيدة، لا بد أن تكوني متفائلة، الوساوس دائمًا تتصيد الناس من خلال الفراغ الزمني أو الذهني.

وأنا أعتقد أنك أيضًا -بعد أن تتحدثي مع والديك- محتاجة أن تذهبي إلى طبيب نفسي، هذا أيضًا جيد، لأنك محتاجة إلى دواء. أنت ذكرت في نهاية الرسالة: الدواء لا يوجد، لا، الأدوية في رأيي مفيدة، الأدوية المضادة للوساوس الآن أدوية قوية، فعالة، تُفتت هذه الوساوس ولا شك في ذلك، عقار مثل (فافرين) مثلاً -والذي يُسمَّى علميًا (فلوفكسمين)- دواء ممتاز، ويُناسب عمرك، ويُناسب نوعية هذه الوساوس.

فاذهبي إلى الطبيب النفسي المقتدر، وأنا متأكد أن الطبيب سوف يعطيك مزيدا من الإرشاد، سوف يُدرّبك على تمارين استرخائية، وبقية الآليات السلوكية، ويكتب لك الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان)
وتليه إجابة الشيخ أحمد الفودعي (مستشار الشؤون الأسرية والتربوية).
++++++++++++++++++++++++++++++

نكرر الترحيب بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية، وأن يُزيل عنك هذه الوساوس، وقد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بفوائد كثيرة نفسيّة وتربوية تُعينك كثيرًا على التخلص من هذه الوساوس، والمطلوب منك – ابنتنا العزيزة – أن تكوني جادَّة في الأخذ بهذه النصائح، مع النصائح النبوية التي قدَّمها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن حاولت الوساوس التسلط عليه.

وقبل أن نسرد لك هذه النصائح والتي قد قرأت عنها أو عن بعضها، نؤكد ما قلتِه في آخر استشارتك من أنه تبيَّن لك أنك قويّة جدًّا، وهذه هي الحقيقة، فأنت أقوى بكثير من هذه الوساوس، الوساوس مصدرها الشيطان، الوساوس التي تكون في الدِّين مصدرها الشيطان، يُريد أن يصرف المؤمن والمؤمنة عن طريقه إلى الله تعالى، والله تعالى يقول: {إن كيد الشيطان كان ضعيفًا}، فالشيطان ضعيف وأنت أقوى، ولكن عليك أن تتسلَّحي بالسلاح النبوي الذي شرعه الله تعالى لك لمقاومة هذا العدو الخبيث.

كوني على ثقة من أنك إذا اتبعت هذه النصائح فإن هذه الوساوس ستزول عنك قريبًا.

هذه النصائح باختصار هي ثلاث:

الأولى: أن تلجئي إلى الله تعالى بطلب الحماية، فتقولي: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وتُكثري من قراءة المعوذتين، {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}، فكلَّما داهمتك هذه الوساوس الجئي إلى هذه الأذكار: الاستعاذة بالله تعالى، فإن الشيطان يفر إذا سمع هذه الكلمات.

والوصية الثانية: الإكثار من ذكر الله تعالى عمومًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فليقل: آمنت بالله)، وقد أرشدك الدكتور محمد إلى تكرار هذه الكلمة، وهي في الحقيقة إشارة إلى كل الأذكار التي تُعمِّق الإيمان في النفس البشرية، فأكثري من ذكر الله تعالى، بالتسبيح وبالتحميد وبالتهليل وبالتكبير، وقراءة القرآن، وداومي على الأذكار الموظفة خلال اليوم والليلة، أذكار الصباح والمساء، داومي على ذكر الله، فإن ذكر الله تعالى حصنٌ حصين يتحصَّنُ به المؤمن والمؤمنة من عدوِّه الشيطان، وبهذا أخبرنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

الوصية الثالثة: الانصراف عن هذه الوساوس والاشتغال بغيرها إذا داهمتك، لا تشتغلي بها، ولا تبحثي لها عن إجابات، تحقيرها هو الحل، أن تنصرفي عنها وتشتغلي بغيرها، فإذا شغلت نفسك بغيرها يئس الشيطان منك، والذي يقوّي عزيمتك على فعل هذه النصائح هو أن تعلمي أن الله تعالى يرضى منك بهذا، وأنه يُحبّ أن تفعلي هذا، ولا يحبّ أن تبحثي عن إجابات لما تُلقيه إليه هذه الوساوس، لا يُحبُّ سبحانه وتعالى أن تتبعي الشيطان بدعوى أنك تقوّي إيمانك أو تزيلي الشبهة – أو غير ذلك – اللهُ تعالى يرضى منك أن تفعلي ما أمرك به الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فإذا تيقَّنت هذا سهل عليك -بإذن الله- اتباع هذه الخطوات، وستزول عنك هذه الوساوس.

أنت على إيمانك وإسلامك، فكراهتك لهذه الوساوس وخوفك منها، كلُّ ذلك دليل على وجود الإيمان في قلبك، لولا وجود هذا الإيمان في القلب لما كنت تكرهين هذه الوساوس، فاطمئني على إسلامك، ولكن أنت مأمورة شرعًا باتخاذ الأسباب للتداوي من هذه الوسوسة، قبل أن تتسلَّط عليك فتُوقعك في أنواع من الحرج والمشاق والمتاعب.

نسأل الله تعالى أن يُقدر لك الخير، وأن يصرف عنك كل شر.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً