الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهل زوجي يسيئون معاملتي ويجرحون كرامتي، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا متألمة جدا ورأسي سينفجر من كثرة الأفكار التي تضج به، أفكار كثيرة ويمكن ان تكون شريرة من أجل استعادة كرامتي المهانة عند أهل زوجي! أفكر طوال الوقت بالفصول والمواقف المهينة المحرجة والسيئة التي قاموا بها معي، مواقف لئيمة مؤلمة لا أستطيع نسيانها، إهانات متكررة حتى بعد التحدث معهم ومعرفتهم لما يزعجني ويحزنني ولفترة طويلة! أصبحت شخصا آخر، مدمن التفكير حزينا متألما طوال الوقت، يعيش في عالم غير عالمنا بسبب ما زرعوه داخلي بمواقفهم اللئيمة، وهذا كان خطئي منذ البداية لكسب رضاهم، والأصعب هو أن جميعهم بنفس الطباع من عدم الفهم وقلة الاحترام وعدم التقدير!

يجب أن أقوم بواجباتي تجاههم رغم معاملتهم السيئة لي وتهميشي والإقرار بعدم وجودي! يجب أن أكلمهم وأتحدث إليهم في كل مناسبة سعيدة أو حزينة، في الوقت الذي لا يتذكرون أنني موجودة في أي حال من الأحوال (مرض، وفاة، ....)، وكل ذلك بفضل زوجي الذي يسكت عن تصرفاتهم المسيئة وأخطائهم المتكررة.

أفكر بأن أرد اعتباري حتى لو كان على حساب بيتي، لم يعد يهمني أن أعيش مع زوجي بقدر اهتمامي بكرامتي المسلوبة عند أهله وكل هذا بسببه، لا يتحدث إليهم أبدا رغم رؤيته لي مع هذه المعاناة والآلام التي سببوها لي، ودائما يطلب مني ويجبرني أن أكلمهم، حيث كرامتي لم تعد تسمح لي حتى لو اضطررت لترك البيت، فأفتوني لأخرج من حيرتي وأتخلص من هذه الأفكار.

وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nour حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

لم تبيني لنا في استشارتك هل تعيشين مع أهل زوجك في سكن واحد أم أنك تعيشين في سكن مستقل؟ والذي فهمته أنك تعيشين معهم في بيت واحد، وهذا من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المشاكل بين زوجة الابن وأهل الزوج ما لم يكونوا متقين لله تعالى.

أنصحك أن تترفعي عن الانتقام والانتصار للنفس، ووكلي أمرك لله تعالى فهو من سينتصر لك وسيريك انتقامه بأم عينيك إن كان قد حصل لك ظلم وتجني واعتداء وإهانة، فإن الله تعالى يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

من صفات عباد الله المؤمنين أنهم لا يحملون في قلوبهم الغل والحقد، كما قال ربنا سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).

بعض الأزواج يسيئون في تقدير المصالح والمفاسد، أو يضعفون على قول الحق أمام الأم والأب خاصة لمكانتهم وكبر سنهم، والعلاج في مثل هذه الحال أن يستقل الزوج مع أسرته ببيت مستقل، وألا يغلب حب المادة على استقرار أسرته وراحتهم، فإن المادة التي يجمعها ليس لها قيمة إن كانت على حساب راحة زوجته وأبنائه.

لا تجعلي فكرة الانتقام تستولي على تفكيرك؛ فإن ذلك سيفسد عليك حياتك، وعليك أن تقدري بين المصالح والمفاسد، فبقاء بيتك وأسرتك أهم من الانتقام الشخصي، فإن لم تجدي من ينصفك في هذه الحياة فسينتقم الله لك منهم في الدنيا أو الآخرة.

عليك أن تطالبي زوجك ببيت مستقل؛ فهذا مطلب مشروع لك ولا يستطيع أحد أن ينتقدك على هذا الطلب، وبهذه الطريقة تبتعدين عن الاحتكاك بهم وتسلمين من شرهم.

احتسبي الأجر عند الله فيما قدمت لهم، واطلبي حقك من الله تعالى فإن الله لا يضيع حق مظلوم أبدا.

الأصل أنك لست ملزمة شرعا بتقديم أي خدمة لهم اللهم إلا من باب كسب رضا الزوج، وطالما وهم لا يعترفون بالجميل فلست ملزمة شرعا بأي شيء تجاههم، فأنت تزوجت الرجل ولم تتزوجي أسرته بكاملها.

إن اضطررت للبقاء في بيت أسرته فيجب تقسيم العمل على جميع النساء في البيت بالتساوي، وهذا مثل الطبخ وتنظيف البيت وأما غسل الملابس فكل مسئول عن أسرته ولست مسئولة عن بقية الناس، وعليك أن تواصلي الطلب من زوجك ببيت مستقل.

لست ملزمة أن تختلطي بهم لا في تناول الطعام ولا في الجلوس معهم، بل يجوز لك أن تأخذي طعامك وأسرتك إلى غرفتك، وكذا أن تجلسي في غرفتك؛ لأن كثرة الاختلاط بهم يؤدي إلى هذه المشاكل.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يرفع عنك هذا الظلم وأن يلهم زوجك الرشد ويلين قلبه لاستئجار بيت مستقل، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أكثري من تلاوة القرآن واستماعه وحافظي على أذكار اليوم والليلة؛ فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، ومن فوائد ذلك أيضا أنه من أسباب جلب الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق وأن يرفع عنك الظلم ويرزقك السعادة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً