الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما سبب تعسر أموري بالرغم من التزامي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري 32 سنة، متزوج منذ 5 سنوات، أعاني من عسر الحال، بالرغم من أني ملتزم نسبيا بالصلاة وورد القرآن وأذكار الصباح والمساء، والوتر، وقيام الليل، وصلاة الفجر جماعة، وكثير الاستغفار والدعاء، لكن حالي من مصيبة إلى مصيبة، ومن خسارة إلى خسارة، أرشدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ramy حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا وسهلا بكم في موقع الاستشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب، والجواب على ما ذكرت:

بما أنك محافظ على الصلاة، وتتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فما يحصل لك من بعض العسر في حياتك، لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن هذا ابتلاء من الله تعالى وإذا صبرت واحتسبت، وأكثرت من الدعاء والاستعانة بالله، وأحسنت الظن به بأنه سيغير حالك، وأكثرت من قول لاحول ولا قوة إلا بالله والاستغفار، فأبشر بالفرج القريب بإذن الله تعالى.

الأمر الثاني: هناك احتمال أنك مصاب بمرض العين أو الحسد، لأن الشدة والعسر في حياتك قد يكون بسبب هذا الأذى، فلو التزمت بقراءة الرقية الشرعية صباحا ومساء، من قراءة سورة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات، وكذلك قراءة سورة البقرة كل ثلاثة أيام على الأقل، فإن شاء الله تتغير حالتك إلى الأحسن.

وفقك الله لمرضاته._
_____________________________
انتهت إجابة الدكتور/ مراد القدسي - مستشار العلاقات الأسرية والتربوية-
وتليها إجابة الدكتور/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية-
_________________________

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

لقد خلقنا الله تعالى لعبادته سبحانه وتعالى وهو مستحق للعبادة سبحانه وتعالى قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

لا يصلح أن تربط عباداتك بما يمن الله به عليك من الرزق، وكأنك تقول يجب على الله تعالى بما أني أعبده أن يعطيني ويعطيني وألا يحرمني، فربنا سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء.

هنالك بعض الناس يتسخط على الله فيقول أنا أصلي وأصوم وأقرأ القرآن ورزقي ضيق، وفلان لا يعبد الله تعالى وهو مرزوق، وهذا فيه سوء أدب مع الله تعالى وجهل بقدر الله سبحانه.

ما كل عبادة مرتبطة بالرزق بل هنالك عبادات غير مرتبطة، وقد وضحت النصوص ما هو مربوط بشرط الإخلاص لله في تلك العبادات وعدم ربطها بالعطاء، فلا يقول الإنسان سأفعل لله كذا من أجل أن يعطيني كذا.

من الناس من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه الله لطغى وبغى، ومن الناس من لا يصلح له إلا الغني ولولا ذلك لكفر، فهذا من رحمة الله لعباده، وهو سبحانه يوزع الأرزاق لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه فقال عز وجل: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

يبتلي الله عباده بالفقر والغنى لينظر سبحانه هل يصبر الفقير ويرضى عن الله أو يتسخط وينظر هل يشكر الغني ويعرف حق الله تعالى في ماله وهل يستعمله في الطاعة أم في المعصية.

لقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) وفي رواية: (أشبع يوما فأشكر وأجوع يوما فأصبر).

تقصير العبد في أداء ما افترض الله عليه من أسباب قلة رزق العبد وأنت ذكرت في استشارتك أنه عندك تقصير في الصلاة فإذا كنت مقصرا في الصلاة فمن المؤكد أن عندك تقصير في أمور أخرى ولذلك فلا بد أن تصحح وضعك وتجتهد في هذا الجانب.

للذنوب والمعاصي تأثير كبير على الرزق يقول ربنا جل في علاه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وفي الحديث الصحيح: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) ونحن جميعا أصحاب ذنوب فمن أراد أن يزاد في رزقه فليبتعد عن الذنوب.
المؤن يتقلب في هذه الحياة بين أجري الشكر والصبر قال عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).

ما ينزل بالمؤمن يمن بلاء من مرض أو ضيق في الرزق أو غير ذلك إلا كان في ذلك تكفير لذنوبه يقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
سأدلك على بعض الأسباب الجالبة للرزق فدونكها:

-تقوى الله: يقول سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ويقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).
-كثرة الاستغفار: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

-صلة الأرحام: فهو من أهم أسباب زيادة الرزق والبركة في المال، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه).

-الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) ومن الهموم هم الرزق.

-شكر الله تعالى على سبيل الدوام: فالشكر الدائم يزيد الأرزاق ويفتح الأبواب المغلقة لقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

-الهجرة من أجل طلب الرزق: فمن الناس من خرج من بلده بعد ضيق في العيش ففتح الله عليه أبواب الرزق يقول تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) وإن كان من أهل التفسير من قال إن المقصود بالهجرة هنا الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام لكن العبرة بعموم لفظ الآية.

-السعي في مناكب الأرض وعدم البقاء في نفس المنطقة قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

-الانشغال بالذكر والاستغفار والدعاء، مع الإكثار من دعوة يونس عليه وعلى نبيِّنا السلام حين قال: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فهي مِن أعظم ما قيل في ذَهاب الهمِّ، فالله قال في الآية التي تعقبها: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

-الاستقامة على دين الله تعالى بامتثال أمره وترك نهية يقول تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).

-المحافظة على أداء الصلوات في أول وقتها مع الجماعة بخشوع، مؤديا لأركانها وواجباتها ومستحباته، قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: تقي مصارع السوء، تدفع البلاء، تطفئ الخطيئة، تحفظ المال، تجلب الرزق، تفرح القلب، توجب الثقة بالله وحسن الظن به، ترغم الشيطان، تزكي النفس وتنميها، تحبب العبد إلى الله وإلى خلقه، تستر له كل عيب، تزيد في العمر، تستجلب أدعية الناس، تدفع عن صاحبها عذاب القبر، تكون عليه ظلا يوم القيامة، تشفع له عند الله، تهون عليه شدائد الدنيا والأخرة.

-حسن التوكل على الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا).

-لزوم الاستغفار، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والاستقامة والتوبة النصوح، وأن يوسع أرزاقنا إنه سميع مجيب.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً