الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بالحزن واضطراب النوم بسبب وفاة جدتي ومشاكل عائلتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

منذ فترة توفيت جدتي -رحمها الله-، وأيضا حدثت مشاكل كثيرة في عائلتي، وتغير تعاملي في المدرسة مع أصدقائي والمدرسين، وأصبحت لا أتحدث ولا أضحك مع أحد، رغم أني شخصية اجتماعية، وهذا الشيء كان بإرادتي ولكن عندما كنت أفعل ذلك لم أكن سعيدة، لم أكن أنا ولكني استمررت في هذا التعامل، وبعدها جاء المرض وأغلقت المدارس وابتعدت عن كل أصحابي، وأغلقت مواقع التواصل كلها، فأصبحت حزينة لأني لا أتحدث مع أحد منهم، ومن ثم بدأت لا أستطيع النوم إلا نهارا، ورأسي كان يؤلمني، وأنعس جدا.

فبدأت أنام نهارا ومن ثم استمر النوم إلى العصر، وأيضا حدثت مشاكل بين أمي وأبي كثيرة جعلتني مرعوبة غير مطمئنة، لأن أبي سبب لي حزنا شديدا، وهناك موقف معه لي في الماضي، أخذ منا القطط التي نحبها ودائما ألوم نفسي على هذا الموقف؛ لأني كنت السبب، وكلما تذكرت أبكي، كنت أحلم أنهم يتشاجران فأرتعب عندما أسمع صوته يصرخ في البيت، أخاف جدا منه، في يوم من الأيام دخلت إليه لأخبره أن يأتي ليأكل، لم يرد علي ورفع رأسه تكبرا؛ هذا الموقف أوجعني جدا وأصبحت أشعر بالحزن ليلا، وأتذكر كل هذا وأشعر بأن الحياة أصبحت بلا لون، وأختي دائما تغضب، وعندما تغضب علي أشعر بحزن شديد جدا.

وأيضا أهتم جدا بآراء الناس عني، فكنت دائما ألجأ لأحلام اليقظة، الآن لم أستطع الدراسة بشكل جيد بسبب النوم، يأتيني شعور خوف في الصلاة أني لا أخشع، أشعر بوهم الكمال ولا أشعر بروح الصلاة، في يوم حدثت نفسي أن أطمئن ولا أخاف من أبي وأنام، وفعلت ذلك ونمت، فعرفت أن لدي خوفا، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله تعالى المغفرة والرحمة لجدتك ولجميع موتى المسلمين، ورحم الله الأولين والآخرين من المسلمين والمؤمنين.

أنا أراك بخير، هذا يجب أن أؤكد عليه، لديك تفاعلات وجدانية وعاطفية، شيء من الأحزان هنا وهناك، وسرعة التأثر لديك بيِّنةٍ جدًّا، فقلبك فيه الكثير من الرحمة، وأسأل الله تعالى أن يكون في ذلك خيرًا كثيرًا لك.

هذه التفاعلات الوجدانية في مثل عمرك نعتبرها عادية جدًّا، هيمنتْ عليك المشاكل والصعوبات المنزلية، وموضوع أنك دائمًا تسعين أن يكون كل شخص راضيا عنك، هذا لا يمكن أن يحدث - أيتها الفاضلة الكريمة - أبدًا، لا تكوني حساسة لمثل هذه الدرجة، فقط احرصي وعاملي الناس كما تحبين أن يعاملوك، وهم إن عاملوكِ بما تحبين فهذا أمرٌ جيد، وإن لم يفعلوا فلا تتأثري لذلك أبدًا.

والصعوبات والنقاشات التي تدور بين والديك أمورٌ عادية جدًّا تحدث في جميع البيوت، وأنا متأكد جدًّا أنهما يقضيان لحظات طيبة وجميلة مع بعضهما البعض في بعض الأحيان، فالحياة الزوجية لا تخلو من هذا ولا ذاك، فيجب أن نفكّر في الأمر على هذه الشاكلة.

أنت ذكرت أن والدك رفع رأسه تكبُّرًا ولم يرد عليك، لا، ليس هنالك تكبُّر عليك من الوالد، الآباء والأمهات يُحبون أبناءهم ويُشفقون عليهم ويخافون عليهم ويحرصون على سعادتهم ويرجون لهم الخير، ويتمنون أن يكونوا أفضل منهم وأحسن منهم، يحبون أبناءهم وبناتهم حبًّا جبلّيًا غريزيًا فطريًّا، يحزنون لحزنهم ويتأثرون بما تأثروا به. موقف الوالد هذا ربما كان الغضب مسيطرا عليه نسبيًّا، ربما أراد أن يُوصل إليك رسالة حاسمة من جانبه، فلا تبني هذا الشعور السلبي نحو والدك؛ هذا يُدخلك في أزمات نفسية أكثر، لا؛ يجب أن نُحسن الظن دائمًا خاصة بآبائنا وأمهاتنا.

أعود مرة أخرى: أراك بخير -إن شاء الله تعالى-، حساسيتك المفرطة في هذا العمر الذي يكون فيه الإنسان لديه هشاشة نفسية وسرعة تأثُّر: هذا أمرٌ عادي، عادي جدًّا، وسوف تتخطين هذه المرحلة إن شاء الله تعالى.

إذًا أريدك أن تنظري للأمور بمقاييس مختلفة حسب ما ذكرته لك من توجيه، وأريدك أن تنظمي وقتك، وأن تعيشي الحاضر بقوة والمستقبل بأملٍ ورجاء.

أهم شيء يجب أن تزودي نفسك به في هذه المرحلة الحياتية هو العلم والدين، هذه هي الأسلحة التي لا يستطيع أحد أن ينزعها منك أبدًا، وهي التي تقوّيك بإذن الله، وتعطيك الطمأنينة بفضله ومَنِّه، وتعطيك الثقة في نفسك بحول الله وقوته، فاجتهدي في دراستك، نظمي وقتك، وعليك بالنوم الليلي المبكّر، نعم النوم الليلي المبكّر يُرتب الساعة البيولوجية بصورة إيجابية جدًّا؛ ممَّا يجعلك تستيقظين مبكّرًا، وتؤدّين صلاة الفجر، وبعد الاستحمام وشُرب الشاي وتناول شيء بسيط يمكن أن تدرسي لمدة ساعة إلى ساعتين قبل أن تذهبي إلى المدرسة. من يبدأ يومه بهذه الصورة الجميلة يجد أن بقية يومه أصبح سلسًا وسهلا وجميلاً جدًّا.

هذه مبادئ أساسية في نمط الحياة يجب أن يلتزم بها الإنسان. احرصي على غذائك، يجب أن يكون متوازنًا، تجنبي النوم النهاري، لا تُكثري من شرب الشاي والقهوة، مارسي أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة، هذا فيه نوع من التنفيس النفسي الكبير جدًّا، وأنا دائمًا أنصح بممارسة تمارين الاسترخاء؛ لأنها مفيدة جدًّا، توجد برامج على اليوتيوب، كثيرة جدًّا، توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، فأرجو أن تقومي بذلك.

أرجو أن تكوني قريبة من والديك، كوني إنسانة نشطة وفعّالة في داخل البيت، شاركي والدتك في أعمال البيت من ترتيب وتنظيف وغسيل، لا تحزني ولا تنزعجي لمواقف أختك معك، دائمًا أنت قدمي الخير وسوف تجدين الخير ولا شك في ذلك.

أريدك أن تعيشي على آمال وطموحات، مَن أنت بعد عشر سنوات من الآن؟ التخرُّج من الجامعة -إن شاء الله-، العمل، أو تحضير الماجستير، أو الزواج ... أشياء جميلة وحلوة في الحياة، ينبغي أن تتطلعي إليها وتجعليها نصب عينيك لتحققيها وتسعي في تحقيقها.

عليك بالصلاة، فإنها لكبيرة إلَّا على الخاشعين، الصلاة عماد الدين، الصلاة لا بد من المحافظة عليها وأدائها في وقتها، {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً