الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمر بضغوطات تعوقني عن إكمال النجاح!

السؤال

السلام عليكم.

تعبت حقا، وتحطمت حقا في حياتي من فقر لاذع، ومن عرقلة أشخاص من أقاربي خاصة، ولكن والدي أقدم على جعلنا ندرس رغما عن أنف كل الفقر وكل الناس، وتعب بشدة مجهدا نفسه بالعمل والتّعلم لأجل تعليمنا وجعلنا نصل إلى ما نحن عليه؛ طمعا في رؤيتنا نرتقي نحو الحياة، والعلم، والجمال.

لكنني يا إخوتي تعبت حقا خاصة هذه الفترة بالتحديد، أشعر بالضغوط كالسهام تتدافع نحوي من كل الجهات، أصبحت أتغيب بكثرة عن الدراسة، لا أدري ما أصنع! وما باليد حيلة؛ أظن أنه بسبب أنني كنت دائما الأولى في دراستي غير أنني في الجامعة، ونتائجي مشرفة جدا، ولكنها ليست رائعة كفاية لترضيني.

أفكر في عائلتي جدا، فهذا العمل سيجعلنا نتجاوز مرحلة الفقر نحو الراحة في الحياة، ولكنني لست سعيدة، أريد أن أكمل دراستي بالخارج، وأريد أن أصبح عالمة وكاتبة، وكتابي الأول أتقاعس على إكماله بيد أنني أكتبه منذ سنة (2014) ودار النشر تنتظره الآن، لكنني أعاني من الضغوط ولا يمكنني إكمال الكتابة، ولا الدراسة، ولا أي شيء، ليس لدي غير الله وحده سبحانه وتعالى.

فضلا أريد المساعدة عاجلا غير آجل، فهذه سنتي الأخيرة في المعهد العالي (الجامعة) وأشعر أنني أتمنى أن يأخذني الله -عزّ و جلّ-، أن يرحمني كأنني لم أكن، فهذا العقل المعجزة نعمة ونقمة لكل الإنسانيّة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نُرحب بك أجمل تحية.

ابنتي الحبيبة: هنيئاً لكم على هذا الأب المجاهد الصابر، العازم، الحريص على تربية أبنائه والوصول بهم إلى أعلى المناصب وأفضل المراتب، كما أحيِّي توجُّهك للموقع بالسؤال عن حل لمشكلتك، وعدم استسلامك للوضع النفسي والأكاديمي، والذي يبدو أنك لا تشعرين فيه بالرضا والقناعة.

وكما ذكرت لنا أن والدك يبذل مج?وداً كبيراً ويعمل جا?داً ويضحي ليسعدكم، وأنت بلا شك فخورة جداً به، وكل ما تمرين به الآن يحتاج منك لحظة توقف وتأمل إلى ما حباك الله من نعم لأن هذه النعم التي تعطى للإنسان ينبغي أن يزداد بها شكراً وشعوراً بالرضا،
تابعي معي ماذا قال لنا رسول الله صلوات عليه من رب البرية: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"، رواه مسلم.

فهذه الطاقة الهائلة والذكاء العالي التي يتوقد فيها بدنك ينبغي أنّ تصرف فيما يقربك إلى الله -عز وجل-، وأنا لم أجد في رسالتك سبباً وجيهاً إلى هذا الكم من الشعور باليأس، وقولك" أعاني من الضغوط لا يمكنني إكمال الكتابة ولا الدراسة ولا أي شيء" وكل ما أراه أنّ حياتك بحاجة لإعادة ترتيب أوراقك، وتنظيم أفكارك، ومعرفة وتحديد أهدافك وطموحاتك، وحبك وشغفك للعلم، فلماذا تشكين من كل النواحي غاليتي آية؟ ولماذ أنت غير راضية عن نفسك ومشوشة والأمور غير واضحة؟!!

هل السبب هو أنك تفكرين بالسفر كما ذكرت لنا : "أريد أن أكمل دراستي بالخارج وأريد أن أصبح عالمة وكاتبة.."؟! لذا أهملت إنجاح كتباك الأول كما ذكرت" وكتابي الأول أتقاعس على إكماله بيد أنني أكتبه منذ سنة (2014) ودار النشر تنتظره الآن" فأنا أرى أن أمامك الفرص متوفرة، وكل ما تحتاجين إليه كما أخبرتك آنفا هو إعادة تنظيم أوراقك، والبقاء في بلدك والمحافظة على أسرتك الكريمة.

وأن تكوني واقعية، وأن لا تعيشي عكس التيار، واعلمي أن من ترك شيئًا لله عوضه خيرًا؛ وهذا القلق والتوتر التي تعيشينه يؤثر سلبًا على نفسيتك ويدخلك في نفق الأمراض النفسية والتي أنت بغنى عنها، ولا يجوز أن تفكري فقط في ما يناسبك، بل عليك أن تدرسي الأمر من كل النواحي، وأن تكوني عند ظن والدك بك، وأن تكون فخورة لما وصلتي إليه اليوم أنت وإخوانك.

أنصحك أن تركزي على دراستك الجامعية والامتحانات، وأن تتوقفي عن التفكير السلبي والزعل والقهر، وكل مما يشتت تفكيرك، وأعطي نفسك استراحة وفرصة لإعادة التفكير بكل ما حصل؛ فهذا سوف يساهم في تعديل رأيك ونظرتك، فلا تستعجلي الأمور وترهقي روحك، ولا تنسي أن الضغوطات زدات نسبتها من ذي قبل بسبب الحصار الذي فرض على العالم كله بسبب جائحة كورونا، وعلينا جميعاً أن ندعو الله جل جلاله أنّ يرفع هذا البلاء عن أمة رسوله الكريم.

كوني قوية وواثقة بالله -عز وجل-، وأكثري من الدعاء، واسأليه أن يثبتك ويبعد عنك نكد وغم الشيطان، والله سميع مجيب دعوة الداع إذا دعاه، واستفيدي من خبرات الآخرين في ترتيب أولوياتك، حتى تنفذي ما هو أفضل لك.

ومهما حصل فلا تتركي الجامعة لأي سببٍ من الأسباب؛ لأنّ من سار على الدرب وصل، ومن تسلل إليه اليأس فقد أصابه في مقتل! توكلي على الله، وافعلي ما هو أهم في نظرك، وواصلي دراستك حتى تتخرجي، وأنجزي الكتاب، فنجاحك في حياتك سيمنحك ثقة وقوة؛ لأنّ الناجح لا يسمى ناجحًا إلا لأنّ الناجح نجح في تخطي العقبات، ولولا وجود العقبات والمصاعب ما جاء مسمى النجاح، فلتنطلقي مع عامٍ جديدٍ ببدايةٍ جديدةٍ.

احرصي على الصلاة، وأكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهما من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب، كما قال عليه صلاة وسلام رب البرية: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجا"، وعملاً بقول القائل: إن الشجرة التي لم تقاتل أبداً من أجل الشمس، والسماء، والضوء، والهواء ووقفت فحسب في الطبيعة والمطر وحصلت دائمًا على نصيبها من المطر لم تصبح أبداً للغابة ملكة.

وليس لنا بد من وضع هذه الآيات نصب أعيننا: قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: "قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" وقوله جل جلاله على لسان يعقوب عليه السلام: "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" فاليأس والقنوط بنيتي يفتح أبوابًا واسعة أمام الشياطين لتعبث بحياة المؤمنين، وتسد أمامه باب التفاؤل والأمل، وتوقعه في الخيبة والفشل، وتغيب لديه الإيمان في قدوم الفرج والرجاء في رحمة الله.

لذا غاليتي: لا تجعلي لوسوسة الشيطان طريق يطفئ سراج الأمل لديك، أو يخلد الكسل في نفسك فتترك العلم وتعيشين في نفق القلق والحيرة والضغوطات واليأس مدى الحياة.

كوني وسيطاً حنونا في أسرتك، وقدوة حسنة، واحرصي على بر والديك بشتى أنواع البرّ، والتقرب إليهما، والسعي الدائم للحصول على محبتهم ورضاهم، بالكلمة الطيبة والابتسامة وعدم إظهار التضجر في وجههما، والتقليل من الشكوى، ولا تنسي تقبيل يديهما يومياً، واجتهدي في خدمتهما فهي واجب علينا، وكل ما تعيشينه اليوم يكون ذكرى.

أكثري من الدعاء لوالديك ولك ولإخوانك، وأكثري من الاستغفار، والزمي الطاعات من صوم، وصلاة، وتلاوة القرآن الكريم: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

تمنياتي لك بالخير والرضى والثبات على الايمان، وأسأل الله أن ييسر لك أمر إنجاز كتابك ونشره قريباً يا آية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً