الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هشاشة النفس تجاه الابتلاءات، الأسباب والعلاج.

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة بعمر 24 سنة، بدأت أتعلق بهرة، ولد عندنا في المنزل منذ 8 أشهر، مع أنني كنت أخاف من القطط ( الهررة)، وأصبح مثل ابني، أخاف عليه وأعالجه وأطعمه.

الذي زاد التعلق تواجدنا في غرفة واحدة، وأنا طالبة جامعية أغيب عن المنزل، ولا أفتقده في غيابي، ولكن أكون مسرورة بوجوده، وأحرص عليه وعلى مشاعره وراحته، وألاعبه وأنام معه، وأخاف جداً من فكرة موته، وأبكي خوفاً عليه أحياناً.

أعتقد أنني قادرة على العيش بدونه، ولكن أخاف فكرة رؤيته يتألم ويموت أمامي، فأنا أصلاً حساسة جداً تجاه كل من يتألم، وكما أني حساسة بشكل عام وأتعلق بالأشخاص ولكن ليس بمفهوم عدم القدرة على مفارقتهم وهم أحياء، بل أتوقع انهياري عند فقدانهم أو عند مرضهم أو عند سكراتهم، وأنا متأكدة من ذلك.

كيف يمكن لي ضمان الثبات عند موت قطي أو أحد أفراد عائلتي المتعلقة بها كثيراً؟ فمن غير المنطقي أن تفرغ حياتك من الأشخاص المقربين من قلبك كي لا تحزن على فقدانهم، وكذلك لا أستطيع ترك قطي أبداً.

علماً أنا من الأشخاص الذين لا تهمهم الصداقات الوطيدة، بل يكتفون بالأشخاص الموجودين معهم في المنزل، ولا أتعلق بأحد خارجه، بل المنزل مأمني، وأفراده هم كل حياتي بشكل تقريبي، بالإضافة للود مع القرابات طبعاً، وبعض الصداقات غير العميقة.

بالمختصر أشعر أنني هشة نفسياً تجاه الابتلاءات بشكل عام، ومرض من أحبهم، وتعذبهم أمامي أو موتهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Soaad حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قال الله تعالى في سورة آل عمران: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

ابنتي العزيزة: الموت حق علينا جميعاً، وجميعنا سوف نموت عاجلاً أم آجلاً، ولو كانت الدنيا تدوم لأحدٍ: لأدامها الله تعالى لأنبيائه وأوليائه وأصفيائه عليهم الصلاة والسلام، فأين هم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟ وأين هم الصدِّيقون والشهداء رضي الله تعالى عنهم؟ وأين هم الصحابة والتابعون رضي الله تعالى عنهم؟ كلهم ذاقوا الموت -إلا عيسى عليه الصلاة والسلام وسيذوقه في آخر المطاف-. قال  الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}، ومهما بذل الإنسان من أسباب الصحة والنشاط فهو ميت، وأينما كان فإن الموت يدركه، وحيثما فرَّ من الموت فإنه سيجده مقابل وجهه.

أما بالنسبة لأحاسيسك تجاه القطط فهذا يدل على رقة قلبك ورأفتك بهم، وهذا من حسن الخُلق، فقد جعل الإسلام دخول الجنة جزاء للرفق بالحيوان وأن الرفق به قد يكون سبباً في تجاوز الله عن كبائر وقع فيها الإنسان فقال صلى الله عليه وسلم: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به) (رواه البخاري ومسلم).

قال صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خُفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له) قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: (نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) رواه البخاري ومسلم.

أما بالنسبة للصلابة النفسية، فهي تتأتى من التجارب والخبرات التي يمر بها الإنسان، ومن الأحداث التي يعايشها يومياً ومن المسؤوليات التي تُلقى على عاتقه.

ابنتي العزيزة: أنصحك بما يلي:

- الإيمان الذي ليس له حدود بالله وقدرته على كل شيء، وأن الله المحيي والمميت، وأن البشر والحيوانات لها عمر مكتوب سوف تعيشه ثم تموت، فهذه سنة الله في خلقه، حيث تعيش القطط في المتوسط عمراً يتراوح بين 10-15 عاماً، ولكن قد تعيش بعض أنواعها عمراً أكثر من ذلك، لتصل إلى العشرينيات أو الثلاثيينات من العمر.

- التواصل والتفاعل مع الناس ومعرفة أحوالهم ومعاناتهم، وعدم الاقتصار على الأسرة الصغيرة أو المقربين منك.

- توقع الموت لأنفسنا أو لأي شخص نعرفه، فهذا أمر لا نمتلك منعه، فينبغي للمؤمن أن يكون على استعداد للقاء ربه ولا يغتر بالحياة الدنيا، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

- التقليل من "الحساسية المفرطة" أي أن لا تكون ردود فعلك  مُبالغ بها إزاء المواقف التي تتعرضين لها أو الكلام الذي يُوَّجه إليك.

وفقك الله لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً