الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس المتعلقة بالنظافة عند الزوجة وتأثيرها على الحياة الزوجية

السؤال

زوجتي مصابة بالوسواس القهري والنظافة الزائدة حسب تشخيص الأطباء والأهل، كل شيء بنظرها وسخ وقذر حتى الهواء، بدأ الموضوع منذ حوالي سنتين حين بدأت بتنظيف المنزل أكثر من المعقول، وحين تفاقمت الأزمة أصبحت تغسل البيت كاملاً بالماء والمنظفات حتى الجدران وألعاب الأولاد وتغيير كافة الأقمشة والشراشف بمجرد دخول أي شخص لمنزلنا حتى لو كان من أهلي أو أهلها، تستحم وتحمم الأولاد بمعدل مرتين في اليوم صباحاً ومساء وخصوصاً حين عودة أحد الأولاد من خارج المنزل، أصبحت معزولة عن الناس لأنه لا يوجد وقت عندها لأي شيء غير النظافة، أصبحت مهملة في حقوق الزوجية والطبخ والاهتمام بنفسها، أصبح جلدها متشقق ومصاب بالأكزيما من شدة التغسيل واستعمال المنظفات.

أصبحت حياتي جحيماً لا يطاق حيث أنها حين عودتي من العمل تستقبلني على الباب لتطلب مني خلع ملابسي والدخول للحمام وحين أرفض تقوم بمسح يدي ووجهي وقدمي بالمعقم، ترفض أي نصيحة من أي شخص كان حتى أمها، تستهلك من المنظفات والمعقمات كمية هائلة، والمصيبة الأكبر أنني في لحظات اللقاء الزوجي تسألني أسئلة تجعلني أنسى متعة اللقاء وأبتعد عنها، مثلاً: هل غسلت يدك بعد خروجك من الحمام؟ هل ملابسك الداخلية لامست حائط الحمام؟ هل استحممت اليوم؟ وهل وهل ؟!

حالياً وصلت معها إلى طرق اللاعودة فهل وسواس زوجتي هو يعتبر من الأمور الموجبة للطلاق؟ علماً أنني لم أعد أستطيع تحمل الحياة معها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ خالد حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله لزوجتك الشفاء.
لا شك أن الوسواس القهري من الأمراض المزعجة، خاصةً حين يكون بالشدة التي تعاني منها زوجتك، ولكن بفضل الله تعالى يمكن أن يتم علاج الوسواس القهري الآن إذا تضافرت الجهود، وكان هنالك التزام من جانب الأطباء والمريض وذويه.

ذكرت هل هذا الأمر يعتبر موجباً للطلاق؟ وأرى أنه ليس من الحكمة الإقدام على الطلاق مطلقاً، ما دامت هي تعاني من مرض، والمرض يمكن علاجه بإذن الله، ولابد أن تحاول الإحسان إليها والإحسان إليها في هذه الحالة هو أن تقدمها إلى مراكز ومصادر العلاج، وهي متوفرة الآن بفضل الله تعالى.

عليك بالصبر وإن شاء الله أنت مأجور، وأود أن أؤكد لك وبكل صدقٍ وأمانة أن حالة زوجتك يمكن أن تعالج أو على الأقل يمكن أن تتحسن بدرجةٍ كبيرة.

من ناحية العلاج الوضع المثالي هو أن تذهب بها إلى أحد الأطباء النفسيين المتخصصين؛ حتى توضع لها البرامج العلاجية، وسوف نعطيك فكرة عن هذه البرامج، والتي تقوم على أن يُعرض الإنسان على مصدر وسواسية ثم يمنع منعاً باتاً من القيام بالفعل الوسواسي.

وساوس زوجتك تدور حول النظافة والخوف من الأوساخ، إذن العلاج هو أن تعرض على نوعٍ من الأوساخ، ثم تمنع من أن تقوم بالغسيل غير المنطقي.

نحن نقوم هنا في العيادة على سبيل المثال بأن نمسك يدي المريض، ثم نضع يديه في أي مكان يحتوي على قاذورات أو أوساخ، وتكون المعالجة ماسكة بيده، وبعد أن تغمر اليدين تماماً بالأوساخ ينتظر المريض لمدة خمس دقائق على هذه الحالة، وبالطبع يكون منفعلاً وقلقاً لدرجةٍ كبيرة، ثم بعد ذلك نعرض عليه كمية محددة من الماء مع الصابون، ونناقشه ونطلعه تماماً أن هذا هو الماء المتوفر فقط، ولا نستعمل الماء من الماسورة مطلقاً، فالأفضل هو الماء الذي يكون في كوب أو خلافه، ونحاول أن ننقل المريض فكرياً ووجدانياً أن ينظم نفسه لأن يغسل مكان الأوساخ بالماء المتوفر، ومعظم المرضى يستفيد من هذا كثيراً، وهذه هي النقطة الأساسية في العلاج، وبعد أن يغسل المريض يديه بحسب الكمية المتوفرة قد يكون منشداً وتواقاً لأن يعطى ماءً آخر، وهنا نقوم بمنعه وطمأنته والتحدث معه.

يكرر هذا العلاج السلوكي بمعدل ثلاث مرات في اليوم، وبعد انقضاء أسبوع من العلاج تقريباً يتحسن معظم المرضى لدرجةٍ كبيرة.

نفس مبدأ هذا العلاج بالطبع يُطبّق على كل مصادر السلوك الوسواسية المتوفرة لدى المريض أو التي يُعاني منها المريض، فمثلاً دخول الحمام يجب أن يحدد له وقت إذا كانت تقضي ساعة في الحمام تنقص إلى 55 دقيقة في اليوم الأول، وهكذا خمس دقائق في كل يوم، حتى نصل إلى الزمن المتوسط الذي يحتاجه الإنسان العادي...وهكذا.

إذن: هنالك برامج سلوكية تقوم على أسس علمية، وهي معروفة وفعالة جداً، أرجو أن تُتاح لزوجتك مثل هذه البرامج العلاجية، والبشرى الكبرى أنه الآن توجد الأدوية المضادة للوساوس القهرية، وهذه الأدوية ممتازة وفعالة جداً، وهي تُساعد المريض كثيراً في تسهيل العلاج السلوكي، هنالك سبعة أو ستة أدوية كلها جيدة لمعالجة مثل هذه الوساوس القهرية.

الدواء الذي تمت دراسته بصورة أكثر هو العقار الذي يعرف باسم بروزاك، وهنالك عقار آخر يعرف باسم فافرين، تعتبر هي الأمثل لعلاج الوساوس القهرية، فعليه أرجو أن تبدأ زوجتك بتناول البروزاك بمعدل كبسولة واحدة 20 مليجرام في الصباح، ثم ترفع هذه الجرعة إلى كبسولتين في اليوم بعد أسبوعين، وتستمر عليها، وبعد شهرٍ آخر تضيف الدواء الآخر والذي يعرف باسم فافرين، تبدأ بـ 50 مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفعها إلى 100 مليجرام ليلا، ويفضل أن يؤخذ هذا الدواء بعد الأكل، وتستمر على الدوائين مع بعضهما البعض، أي كبسولتين من البروزاك 40 مليجرام، و100 مليجرام من الفافرين تستمر عليها لمدة عامٍ على الأقل، وفي حالة زوجتك ربما نضيف دواء ثالثاً إذا لم يبدأ عليها التحسن بعد ثلاثة أشهر من بداية العلاج، وهذا الدواء يعرف باسم رزبريدون، والجرعة المطلوبة هي 2 مليجرام ليلاً.

كما ذكرت تستمر على الدواء لمدة عامٍ كامل، ثم بعد ذلك يُبدأ في التخفيض التدريجي، وهنالك عدة طرق لهذا التخفيض، وأنا أفضّل أن تخفض الفافرين إلى 50 مليجرام ليلاً لمدة شهر، مع الاستمرار على البروزاك، وبعد ذلك يمكن أن توقف الفافرين كلياً، وتستمر على البروزاك بمعدل الكبسولتين ويكون معه الرزبريدون، وتستمر على ذلك لمدة ستة أشهر أخرى، بعدها تخفض البروزاك إلى كبسولةٍ واحدة وتستمر عليه لمدة ستة أشهر أيضاً.

أما بالنسبة للرزبريدون فيمكن تخفيضه إلى 1 مليجرام، وتكون مدة العلاج الكلية هي سنتين تقريباً.

هذه الأدوية مفيدة وفعالة، وأكرر أنه إن شاء الله تعالى يوجد أمل كبير جداً في أن تشفى زوجتك أو على الأقل أن تتحسن حالتها بصورةٍ ممتازة، وذلك بتطبيق العلاج السلوكي، وأخذ الأدوية العلاجية، وفوق ذلك إذا عرضت على طبيب نفسي فسيكون ذلك هو الأمثل.

أما بالنسبة للطلاق فلا أرى أنه سيكون من المروءة في مثل هذه الحالة، وعليك أن تُحسن إلى زوجتك، ويمكن أن تُعالج تماماً.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً