الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بفشل في حياتي، ولست أجد لي أي إنجاز يذكر!

السؤال

السلام عليكم..

أنا في كلية الطب البشري وأشعر بفشل في حياتي كلها، وأبحث في ١٩ سنة مضت من عمري ولست أجد أي إنجاز عملته، وهذا الموضوع يسبب لي إحباطا، حاولت الانتحار والآن أتمنى الموت وأريد أن أموت.

أنا أعلم أنه حرام أن أتمنى الموت، وأنا غير مستعد للقاء الله، ولكنني تعبت من الحياة؛ لأن حياتي بلا قيمة؛ لأنني لا أرى فيها أي إنجاز!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Malik حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ابني العزيز: ماذا تقصد أنك فاشل في حياتك؟ إذا كنت وصلت إلى كلية الطب البشري فهذا بحد ذاته إنجاز، وهو أمنية لا تتحقق لكثيرين حاصلين على معدلات فوق 98 في كثير من الدول، ومتى تود أن تبدأ إنجازاتك؟ أنت ما زلت طالبا جامعيا وليس مطلوبا منك سوى الدراسة والتفوق، وما هي الإنجازات التي تود أن تحققها؟ وإذا أردت أن تعمل أثناء الدراسة فهذا هو حال ملايين الطلبة في العالم، وإذا كان لديك مشكلات عائلية، فلكل مشكلة حل. هل نظرت إلى نِعم الله عليك من صحة وأمن وخير في المأكل والملبس؟

الانتحار -يا بني- من أكبر الكبائر، وقد قال الله -جل وعلا-: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء:29-30]، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري ومسلم.

أنصحك عزيزي بما يلي:
- تحدث مع شخص تثق به وترتاح للحديث معه، عن جميع مشاعرك، وأفكارك، ومشكلاتك.

- اسأل نفسك السؤال الآتي: (ما هو الشيء الأصعب؟ "مواجهة صعوبات الحياة والتغلب عليها أم أن أموت وأعذب يوم القيامة؟".

- الواجب على المؤمن التصبر والتحمل إذا حصل معه نكبة ومشقة في دنياه لا أن يعجل في قتل نفسه، بل يحذر ذلك، ويتقي الله، ويتصبر ويأخذ بالأسباب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق:2]، وإذا قتل نفسه فقد تعرض لغضب الله وعقابه، وهو تحت مشيئة الله.

- الانتحار هو هروب من الواقع وليس مواجهة الواقع، وهذا هو الفرق بين من يقهر ظروفه وينتصر عليها وبين من يسيطر عليه اليأس والخوف والظروف فينتحر! لذا، فكر بطريقة إيجابية قبل أن تفكر بطريقة سلبية، وأوجد حل لكل ما تعانيه من مشكلات سواء كانت في شخصيتك أو في الظروف التي تعيشها بدلاً من أن تنظر إلى فشل هنا وفشل هناك في حياتك.

- هناك من هم أكبر منك عمراً، وأعلى منك علماً وثقافة، ولو سألتهم ليقولون لك: نحن لا نشعر أننا أنجزنا شيء لغاية الآن في حياتنا، ولكنا سوف نحاول ونحاول حتى نحقق أهدافنا. أتعرف لماذا؟ لأن الإنجاز وتحقيق الأهداف قياسه نسبي ويختلف من شخص إلى آخر. الإنسان يشعر بعدم الإنجاز عندما لا تتاح له فرص العمل، الزواج وتكوين عائلة، فرص الدراسة، أما أنت ما زلت في بداية الطريق.

- قم وانهض واعتمد على نفسك وشمر عن ذراعيك وحقق إنجازاتك التي تراها، فالشباب ليس أمامهم مستحيل وليس وراءهم ما يخيف. ولا تردد لغة اليائسين المحبطين.

- اذهب واستشر طبيباً نفسياً فهو سوف يساعدك، وتشعر بارتياح نفسي بعد الزيارة.

وفقك الله لكل خير.

++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور عبد الرحمن جرار (استشاري نفسي وتربية خاصة)، وتليه إجابة الشيخ أحمد الفودعي (مستشار الشؤون الأسرية والتربوية).
++++++++++++++++++++++++++++++

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور عبد الرحمن بنصائح قيمة مهمّة نرجو -إن شاء الله تعالى- أن تلقى منك القبول، وأن تعمل بما فيها، ونزيدك –أيها الحبيب– أن الإنجاز الدنيوي الذي قمت به إنجاز عظيم جدًّا، فكونك وصلت إلى هذا النوع من الدراسة وسبقت كثيرين للوصول لهذا المقعد في الدراسة يعني أنك توفقت في دراستك وفي طريقك إلى إنجاز كبير في حياتك وحياة الناس، فلا تدع للشيطان مجالاً لإدخال الحزن إلى قلبك وتقنيطك وتيئسك من هذه الحياة وما فيها من الخير.

الأمر الثاني: أنَّ ثمَّ وظيفة لكل واحدٍ مِنًّا في هذه الحياة، وهي القيام بالعبودية لله تعالى في هذه الدنيا والاستعداد للدَّار الآخرة، والحياة الدنيا ممرَّ إلى غيرها وليست دار مقر، وهذه الوظيفة بيَّنها الله تعالى لنا في كتابه، وبيَّناها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح سُنّته، وهي: القيام بالعبودية لله تعالى، بأداء فرائضه واجتناب ما حرَّم، والتوبة عند وقوع العجز أو التفريط، وإصلاح الحال بينك وبين الله تعالى.

فإذا استقمت على هذا وأدَّيت هذه الوظيفة فهذا أعظم إنجاز، ولا يُقاس بأي إنجاز آخر، بل هو النجاح والفلاح الذي لا فلاح بعده، فقد قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} إلى آخر الآيات، والفلاح معناه: الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، فماذا تُريدُ أكثر من ذلك؟

عليك أن تجتهد فعلاً بإصلاح العلاقة بينك وبين الله، وأن تنظر في حال نفسه ما الذي يُريده الله تعالى منك لتفعله، وما الذي يريده منك أن تجتنبه، وهذه هي الوظيفة الكبرى، وكلُّ وظائف الحياة بعد ذلك خادمة لهذه الوظيفة، وأسباب من أجل الوصول إلى رضا الرحمن سبحانه وتعالى، فإذا تعلَّمت الطب فينبغي أن تُحسن النية وأن تتعلَّمه بقصد إعفاف نفسك بما يحصل لك من دخل، وبقصد نفع الناس وتخفيف معاناتهم وآلامهم، فتُصبح بعد ذلك أعمالك الدنيوية عبادات تُقرِّبُك إلى الله تعالى بحسب نيّتك الحسنة.

إذًا أنت –أيها الحبيب– في إنجاز لا يُشاركك فيه كثيرون، بل يتمنَّون أن يُنجزوا ما أنجزته أنت، ولكنَّ الشيطان يحاول أن يتسلَّط عليك ليُدخل الحُزن إلى قلبك، وهذا غاية ما يتمنّاه، كما قال الله في كتابه: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}، فلا تدع له مجالاً للوصول لهذه الغاية، واقطع الطريق.

حسِّن ظنَّك بالله تعالى، وأنه سيوفقك في المستقبل لأعمالٍ مهمَّة وإنجازات في حق نفسك وفي حق مجتمعك، وابدأ العمل، وأنت مأجور على عملك، لا سيما إذا عملت أعمالاً تقصد بها وجه الله تعالى.

أمَّا ما تفكّر به من الانتحار فهو أيضًا من جملة المكايد الشيطانية، يُريد الشيطان أن يجُرَّك إلى أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، فقتل النفس كبيرة عظيمة، والله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمِّدًا فجزءاه جهنمّ خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا}، فكيف بمن يقتل نفسه، وقد أورد لك الدكتور عبد الرحمن الحديث النبوي الوارد في الوعيد الشديد لمن قتل نفسه، فالشيطان يحاول أن يجُرَّك للوقوع فيما تخسر به خسارةً لا تُجبر، فاحذر على نفسك، وتأمَّل فيما أعطاك الله ولم يصل الآخرون إليه، فهذا يفتح لك الآفاق لمعرفة نعمة الله تعالى عليك.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً