الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الوسواس وأخشى أنني وقعت في الكفر!

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعاني من الوسواس منذ سنة و٦ أشهر تقريباً، أعتقد أنه بدأ حينما بدأت أجتهد في عباداتي، وساوس في كل شيء، سب، وطهارة، وكفر، وشرك كل شيء، خوفي أنني سابقاً وقبل الوسواس قد أكون فعلت أفعالاً كفريه، لا أعلم أيحكم بكفري بسببها أم لا، وهي توترني كثيراً، وحالياً لأنني أتخاذل في علاجي، وهو برنامج رقية أعطاني إياه طالب علم محترم مشهود له، قد أكون استرسلت معه، وفي كل مرة أحاول أن أتشهد وأتوب لا أشعر أنني أندم، حتى لو بكيت وحزنت وخفت، أشعر أن حزني قليل ولا يكفي أو أنني أبكي ولست فعلاً أشعر بالحزن أو أنه قد يكون بسبب هرموناتي، وليس نابعاً عن ندم فعلي على أفعالي.

أعلم أنه يجدر بي أن أتجاهلها وأعرض عنها، ولكنني أخاف أن أتجاهلها وأكون فعلاً -أعوذ بالله- وقعت في الكفر فأموت عليه، عملاً بتجاهلها.

سؤالي هو: كيف أتيقن أنني لم أقع في الكفر وأنني على الإسلام؟ وإن حصل ذلك والعياذ بالله، فماذا أفعل؟ هل يكفيني لفظ الشهادة؟ لأنني أجد صعوبة بالغة في التوبة، وإن ندمت، أشعر أنني ندمت عن فعل واحد فقط والبقيه لا، مع العلم أنني أعاني من الحسد أو العين وغالباً يصاحبها مس.

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
فأنت تعانين من الوساوس القهرية، أما قولك إنك وقعت في الكفر وما شابه ذلك فهذا ليس بصحيح؛ لأن ذلك ناشئ عن الوسواس هو الذي يوهمك بذلك.

الشيطان الرجيم هو منشأ تلك الوساوس، وهو من ألد أعداء الإنسان؛ لأنه لا يريد لأحد من عباد الله تعالى أن يعيش سعيدا، ومع هذا فهو ضعيف ولا يقوى على مواجهة الإنسان لذلك يلجأ إلى الوسوسة.

وساوس الشيطان تأتي لكل أحد، ولا يستثنى منها إلا من عصمهم الله منه كالأنبياء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لكل أحد قرينا قالوا حتى أنت يا رسول الله. قال: (حتى أنا ولكن الله أعانني عليه فأسلم) ومعنى أسلم قيل إنه دخل في الإسلام وقيل: إنه يسلم من وساوسه الضارة بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فلا يأمرني إلا بخير) وهذا أرجح.

الوساوس لم تستثن أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام حتى إنهم اشتكوا ما يجدون فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول: (يَأتيِ ْالّشَّيْطَاْنُ أحَدَكُمْ فَيَقُوْلُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَاْ ؟ حَتَّىْ يَقُوْلُ لَهُ مَنْ خَلَقَ ربَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ)) وفي رواية: (فَمْن َوَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاْللهِ) ومعنى ذلك الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.

الذي نوصيك به أن تحتقري تلك الوساوس، وألا تسمحي لها بالدخول إلى عقلك، وألا تتحاوري معها، وعليك أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم فور ورودها، وأن تنهضي من المكان الذي أتتك وأنت فيه، ثم تمارسين أي عمل مفيد يلهيك عنها.

لا تختلي بنفسك، فإن الخلوة من أسباب توارد الوساوس، ومما يفرح الشيطان الرجيم؛ لأنه ينفرد بالشخص فيبدأ بمحاورته وإيراد الوساوس عليه وينقله من وسواس إلى آخر.

مارسي حياتك مع أفراد أسرتك بشكل اعتيادي، وفي حال الوضوء لا تلتفتي لوساوسه أبدا، ولا تطيعيه في أعادة الوضوء أو غسل العضو أكثر من ثلاث مرات، وفي حال الصلاة لا تلتفتي له، وإن عرض عليك فانفثي عن يسارك ثلاث مرات من دون ريق، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، فذلك شيطان يقال له خنزب، يأتي للمصين عند الصلاة يريد أن يلهيهم عن الصلاة فلا يدري العبد كم صلى.

نوصيك أن تكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وأن تجعلي لسانك رطبا من ذكر الله تعالى، فذلك من أسباب طرد الشيطان الرجيم، يقول سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما-: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).

تضرعي بالدعاء وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يشفيك، وأن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وعليك أن تبذلي الأسباب، وتطبقي ما ذكرته لك سابقا، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ). وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنا وعنك الشيطان الرجيم ووساوسه، آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً