الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي جعلني كالمعلقة فلا هو طلقني ولا هو أرجعني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أشيروا علي جزاكم الله خيرا؛ لقد ضاقت بي ولا ملجأ لي بعد الله سواكم، أحتاج لمن ينصحني بما يرضي الله لا أريد أن أعصي الله مرة ثانية.

أنا سيدة عربية متزوجة من أجنبي وكل شيء بيننا بخير والحمدلله، علما أني زوجة ثانية، وفي لحظة غضب بسبب الغيرة قلت له طلقني فطلقني بالفعل طلقة رجعية، وبالرغم من أنني أعيش في بلد أجنبي فقد عدت إلى بلدي (وأعلم أن هذه معصية فلا يجب علي الخروج من بيتي لكن لم يكن عندي علم). أنا الآن ارتكبت معصيتين وتبت إلى الله وعسى أن يقبل توبتي ويهديني.

المشكل الآن أنني معلقة؛ فزوجي لا يحرك ساكنا وأنا معلقة، قال لي: اطلبي الخلع فأنت من طلب الطلاق، وأنا لا أريد الخلع أريد الإصلاح، ويجب أن يكون للخلع سبب، ولا يوجد سبب، ولا أريد أن أكذب في المحكمة (الزواج تم في بلدي)، ثم بعد ذلك قال لي لا تستعجلي نحتاج إلى الوقت للتفكير، وقد مر شهر إلى الآن ولا زال صامتا، إلى متى يجب أن أنتظر؟ ماذا أفعل؟ ولا يوجد من يصلح بيننا، فزوجي في بلد ثان وهو أجنبي ولا أصدقاء لنا.

تعبت من التفكير، بصراحة أنا لا أريد الطلاق بل أسعى إلى الصلح لكن هو صامت لا يحرك ساكنا، لكن هل أبقى معلقة هكذا؟ إلى متى والعمر يمضي وأريد أنا أيضا أن أبني عائلة فأنا أكبر في السن، وهو يرفض حتى الحضور لبلدي ليتم الطلاق، ربما تكتبون له رسالة فهو يفهم العربية الفصحى لعل الله يهديه ويصلح باله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة-، وردا على استشارتك أقول:

من تزوج بامرأة ثانية فعليه أن يكون عنده من الوعي الكافي في كيفية التعامل مع غيرة النساء وتغير طبائعهن بسبب تلك الغيرة، وأن يكون عنده القدرة على تحمل سلوكيات نسائه، وعنده من الحكمة والرفق ما يسع تقلبات الزوجات، وألا يجاريهن في حال طلب الطلاق، فالمرأة بسبب غيرتها وغضبها قد تطلب الطلاق وليس مقصودا من صميم قلبها، ولذلك من رحمة الله بالنساء أنه سبحانه لم يجعل أمر الطلاق لهن وإلا لكانت كلما غضبت طلقت زوجها، فجعل ذلك للرجل كونه أقدر على التحمل والصبر في هذا الجانب، وإن كان عند المرأة من الصبر في جوانب أخرى لا يستطيع الرجل تحمله كما في حالة الحمل والولادة والتربية للأبناء.

بما أنه مر على الطلاق شهر فلعله يريد أن يؤدبك، ومع هذا استمري بمراسلته والاعتذار منه، لكن إن تمت عدة الطلاق وهي ثلاث حيض ولم يراجعك فقد خرجت من ذمته وصرت أجنبية بالنسبة له ولا يجوز أن ترجعي إليه إلا بعقد جديد.

إن كان زوجك قد طلقك من باب التأديب فإنه لا يحل له أن يجعلك معلقة بل يجب عليه أن يكون رحيما وأن يعطيك فرصة أخرى طالما وقد شعرت بالخطأ الذي ارتكبته، فإن كان لا يرغب في استمرار الحياة فيسرح بإحسان ولا يجوز له أن ينزل الضرر بك من أجل أن تطلبي الفسخ حتى تردي إليه مهره؛ لأن هذا ليس من أخلاق المؤمن، فالله تعالى يقول: (ولا تنسوا الفضل بينكم).

ينبغي أن تنظري إن كان هنالك أحد في بلد إقامة زوجك تجعلينه يتوسط في إصلاح ذات بينكما، وحبذا لو كان ممن يثق بهم ويحترمهم؛ فلعل الله تعالى يجعل في ذلك خيرا.

ذكري زوجك بالله تعالى، واعتذري مما بدر منك، وعديه إلا يتكرر ذلك منك، وكلما كانت كلماتك مؤثرة كانت أدعى لتليين قلبه.

لا يمكن أن يطلب منك أن تخلعيه إلا إن راجعك وأبقاك معلقة، ومع هذا فاستمري بمطالبته بالرجعة، فإن شعرت بالضرر الكبير فلك أن ترفعي قضيتك للحاكم الشرعي وهو بدوره سيطلبه أو يقيم من يقوم بالترافع عنه ومن ثم تجري الطلاق المحكمة نيابة عنه دون أن يحصل الخلع الذي به تلزم المرأة بإعادة المهر لزوجها؛ لأنك غير ممتنعة من العودة إليه بل أنت تطالبينه بالرجوع وهو الممتنع.

اجتهدي في الدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي ربك أن يلين قلبه ويلهمه الرشد، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق وأن يلين قلب زوجك، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً