الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية العلاج من الوسواس القهري والأعراض النفسية الأخرى.

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من الوسواس القهري منذ الصغر، وأحيانا يؤثر على حياتي، مثلا أخرج متأخرة من البيت، ودائما أتأخر في فعل المهام؛ لكثرة إعادة و تكرار أي فعل، بالإضافة أنني أعاني من التوتر، وأصارع نفسي، وأشعر أنني أعاني من الاكتئاب في بعض الأحيان، فأنا لم أذهب إلى طبيب نفسي لتأكيد أو تشخيص حالتي، ولا أستطيع حاليا تحمل نفقته.

أواظب على صلاتي -الحمد لله-، لكني لا أشعر بالخشوع في الصلاة، وكنت أدعو الله كثيرا، ومؤخرا أشعر بأنني بعيدة عن الله سبحانه وتعالى، وأحاول بقدر الإمكان قراءة القرآن، والدعاء، وقراءة الأذكار، ولكن سرعان ما أجد نفسي هجرتها مجددا، وأشعر بالتشتت والبعد.

لا يوجد أحد يعلم بما أعاني منه، ولا أي فرد من أسرتي، فأنا مخطوبة، فهل أخبر خطيبي بما أعاني منه؟ حتى لا يعتبر من الغش، أنا لا أعرف مستوى المرض الذي أعاني منه، هل هو متوسط أم شديد؟ أرجو الإفادة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

الذي لديك بالفعل هو نوع من الوسواس القهري، والوسواس في بعض الأحيان يجعل الإنسان بطيئًا ويستغرق وقتًا طويلاً في تنفيذ بعض المهام البسيطة، والوسواس مهما كان مُلِحًّا ومهما كان مستحوذًا على الإنسان أن يُقاومه، أن يتجاهله، وأن يُحقّره.

أنا أنصحك بأن تكتبي نوعية الوساوس التي تعاني منها، واحدة تلو الأخرى، وتبدئي بالبسيطة وتنتهي بالشديدة، وتتعاملي مع كل واحدة من خلال أن تتدارسي الفكرة لكن لا تُناقشيها، وتبدئي في تحقيرها مباشرة، تُخاطبي الفكرة: (أنت فكرة حقيرة، أنا لن أهتمّ بك، أنا لستُ هكذا، اذهبي عني). فإذًا مبدأ التحقير مبدأ مهم.

صرف الانتباه، قولي لنفسك: (بدل ما أفكّر في هذا الوسواس لماذا لا أقوم بكذا وكذا؟) تبحثي عن بديل آخر، هذا يُسمَّى العلاج بالاستغراق الذهني، يعني: تنقلي نفسك إلى شعورٍ آخر أو فعلٍ آخر، أو فكرة أخرى، هذا علاج، وعلاج مهم جدًّا، إذًا انتهي أنت عن هذه الوساوس بانصرافك إلى شيء مفيد.

أيضًا هنالك العلاج التنفيري، أن تربطي الفكرة الوسواسية أو الفعل الوسواسي بشيء مبغوض إلى النفس، مثلاً تتذكّري حادث طائرة احترقت، وتربطي ذلك بهذا الوسواس، فعلاً كان أم فكرةً. أو تقومي مثلاً بشمِّ رائحة كريهة جدًّا، وفي ذات الوقت تفكري في الفكرة الوسواسية ... وهكذا. هذه التمارين تُكرر عدة مرات، مفيدة جدًّا.

ومن التمارين الجيدة للتنفير أن تقومي أيضًا بالضرب على يدك مثلاً على سطح صلب كسطح طاولة مثلاً، وفي ذات الوقت تفكّري في الفكرة الوسواسية، أو الفعل الوسواسي، وتربطي بين الألم والفعل أو الفكرة، وهذا التمرين يُكرر أيضًا عشرين مرة متتالية، هذه التمارين التنفيرية وجد أنها تُضعف كثيرًا الأفكار الوسواسية.

أيتها الفاضلة الكريمة: أيضًا يجب أن تُحددي الزمن، مثلاً تقولي: (أنا سوف أستغرق هكذا من الوقت في الاستحمام)، وتلتزمي بذلك التزامًا قاطعًا، طبعًا في الأيام الأولى سوف تجدي شعورًا كبيرًا بالقلق، حين تُقاومي إرادة الوسواس، ولا تُطبقي ما يأمرك به، لكن بعد فترة وجيزة أسبوع إلى أسبوعين سوف تجدي الحمد لله تعالى أنك قد انتصرت على هذا الوسواس، وأن الأحوال قد تغيّرت تمامًا.

اجتهدي في دراستك، لا داعي لإخطار خطيبك بتفاصيل، لكن إن أردتِّ أن تذكري له أنه لديك في بعض الأحيان قلق بسيط ووسوسة بسيطة حول بعض الأمور، لأنك تريدين أن تنفذي الأمور على مستوى عالٍ من الجودة، والآن ابتدأت مثلاً في التغلُّب منها، ... وهكذا.

لا تعتقدي أنك تعيشين في اكتئاب، هذا مجرد عُسر مزاج مرتبط بالقلق الوسواسي.

أنت محتاجة لدواء، والأدوية الحمد لله الآن موجودة، وهي سليمة، وفاعلة جدًّا. أحسن دواء يُناسبك عقار يُسمَّى (سيرترالين)، الحبة تحتوي على خمسين مليجرامًا، تبدئي بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا، يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم تجعليها خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة أسبوعين آخرين، ثم تجعليها مائة مليجرام يوميًا، وهذه هي الجرعة العلاجية بالنسبة لك، تستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلي الجرعة خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.

وتوجد أدوية بديلة أخرى كالـ (فلوكستين) مثلاً، وكلها الحمد لله أدوية سليمة وغير إدمانية وغير تعودية، ومفيدة جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم....استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د/ مراد القدسي ........مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
------------------------------------------------------------------------
مرحبا بك أختي الكريمة في موقعنا، ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويمن عليك بالصحة والعافية، والجواب على ما ذكرت:
- الوسواس القهري هو مجموعة من الأفكار والخواطر السيئة تتوالى وتتكرر على ذهن الإنسان رغماً عنه، بحيث إنه لا يستطيع إزالتها أو الانفكاك عنها، مع علمه ويقينه بأنها أفكار سخيفة وغير مقبولة، إلا أنه يستمر تواردها على خاطره قهرا، وتسبب له الكثير من الإزعاج والحرج والألم، ومن خلال كلامك لم تصلي إلى هذه المرحلة، فأرجو سرعة الذهاب إلى الطبيب والأخذ بنصائحه.

- ويكون علاج الوسواس عموما بالإكثار من ذكر الله وطاعته واللجوء إليه بالتضرع، والدعاء، والاستعاذة من شره كلما طرأ عليك، وإغفال الوسوسة وإهمالها وعدم الاسترسال معها.

- اجتهدي في أن يكون لك نصيب من العلم الشرعي، فهو سبب لمعرفة الوسوسة وكيفية التعامل معها.

ومما أنبه عليه أن بعض أمراض الوسواس سببه البعد عن الله وهذا علاجه بالتوبة إلى الله وإصلاح حالنا مع الله، فبإذن الله يذهب عنك الوسواس تدريجيا، وبعضه سببه مرض العين أو الحسد، وهذا علاجه بقراءة الرقية الشرعية من سورة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات صباحا ومساء، وبعضه سببه مشاكل وضغوط نفسية، فتحتاجين الذهاب إلى طبيب مختص، وأن تتخلصي من هذه الضغوط النفسية بالصبر والتحمل، والرضا بقضاء الله وقدره.

- وأخيراً مسألة إخبار الخاطب بما أنت عليه هذا سابق لأوانه، فلابد من أن تأخذي فترة علاجية وبإذن الله ستتحسنين، ولو تم الزواج وأنت على هذه الحالة - لا قدر الله - فليست حالتك مرضا كبير، وليس هذا من الغش لخطيبك، بل مرضك ما زال ممكنا التعافي منه.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً