الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب عصبيتي وانفعالي أصبح زوجي يريد الطلاق

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا شابة بعمر ٢٢ سنة، متزوجة منذ سنة، وزوجي ذو خلق، لكن موخراً حصلت مشاكل عديدة بيننا.

أنا كنت أنفعل بسرعة، وممكن أني أجرح مشاعره في أوقات عديدة، وحصل معنا مشاكل مادية مؤخراً، وهو أصبح يتعصب في العديد من الأوقات الشيء الذي يخلق بيننا نزاعات.

أنا في بيت أهلي (بلد ثاني) منذ شهرين، وهو مقاطع الكلام معي أو مع أهلي، ولما حاولت الاتصال به قال لي أني جرحت مشاعرة وأنه كره الزواج وأنه يريدني أن أريحه ونطلق!

حاولت أن أطور من نفسي وخلقي تجاهه، وأتغلب على تسرعي أو عصبيتي، وذلك بالتقيد بأحكام الشرع التي شرفنا بها سبحانه وتعالى، لكن هو مصمم على الطلاق.

كيف يمكن إقناعه أن لا يتسرع في الطلاق، وأن يعطينا فرصة ثانية؟ وهل من نصائح لكي أكون زوجة أحسن له؟

شكراً جزيلًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سعاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً وسهلاً بك عزيزتي، وأدعو الله أن يبارك لكما في زواجكما، وأن يصلح الحال بينكما.

إن السنة الأولى من الزواج هي من أكثر سنوات الزواج صعوبة على الزوجين، حيث إن كلاً من الطرفين هو مختلف عن شريك حياته من حيث التربية والطباع والتفكير والشخصية، وهذا الاختلاف بلا شك سيظهر أكثر عندما يتشارك الزوجان حياتهما اليومية بكامل تفاصيلها، ويصبحا عائلة وكياناً واحداً، مصيرهما واحد، مما سيؤثر على علاقتهما الزوجية إن لمْ يتعاملا مع الاختلاف بحكمة ومرونة ووعي.

كل هذا يُزيد من الاصطدامات التي قد تنشأ بسبب تلك المواقف اليومية، وبشكل خاص عندما لا يملك الطرفان قاعدة جيدة من المعرفة حول أساليب التعامل مع الاختلاف، مما يخلق فجوة بينهما ستزداد مع الوقت.

من بين أكثر المشكلات الزوجية انتشاراً في العام الأول من الزواج هي المشكلات المادية، وعدم الاتفاق على صيغة مُسبقة وواضحة فيما بينهما بخصوص ذلك، وهذا ماحدث معكما، فانعكست على علاقتكما بسبب عدم تعاملكما معها بشكل صحيح.

لذا اطمئني عزيزتي فما حدث معك هو طبيعي ولكن علينا التركيز في كيفية مواجهتك له بشكل صحيح.

- كنت أتمنى لو أنك لم تذهبي الى بيت أهلك من الأساس، خاصة في هذه الفترة التي فيها مشاكل مع زوجك، وخاصة أن حسب مافهمته أن المشكلات المادية هي سبب نزاعكما، وهذا برأيي ليس سبباً كافياً لترك منزلك.

عندما تحدث أية مشكلة بينك وبين زوجك (وهذا شيء طبيعي يحدث بين أي زوجين) من الأفضل ان لا تهربوا من بعضكما، فالهروب لن يزيد الأمر سوى سوءا، لذا ضعي في ذهنك أثناء مواجهتك لأية مشكلة مع زوجك مايلي:

- السرية: أن تبقى المشكلة هي بين شخصين فقط، وأن لا يُخبر أحدكما أهله عن الأمر نهائيا.
بل الأجمل أن يجعل كل من الزوجين صورة زوجه أمام أهله بغاية الإيجابية، ولا يتكلم عنه إلا بكل خير.

- المعرفة: في حال حدوث أية مشكلة، يحتاج الطرفين الى معرفة أنماط شخصية كل منهما، فمعرفتك لنمط شخصيتك وشخصية زوجك ستُعينك كيف تتصرفين بهدوء وبالأسلوب المناسب دون تفاقم للمشكلة.

- الجهد: بأن تخصصي من وقتك وتقرئي وتطّلعي على المشكلة وحلولها في الانترنت من مصادر ثقة لمختصين نفسيين.

رسالتك تعكس لي رغبتك بالتغيير من نفسك، وهذه الصفة أكثر من رائعة، فلا يوجد أزواج ناجحين بعلاقتهم دون أن يبذلوا جهداً متبادلاً للتغيير من أنفسهم والتكيف مع الآخر والظروف.

- التفكير والحكمة: أن تفكري مع نفسك بالحل الأنسب لك أنت وزوجك بشكل خاص، فما ينطبق على الآخرين قد لا ينطبق بالضرورة عليكما، وأن تسألي نفسك (هل من الحكمة أن أُصغّر الأمر وأتجاهله الآن أم لا؟ / هل من الحكمة أن أُرخي الحبل في هذه المشكلة أم أشده؟ / هل من الحكمة الآن أن أكون الشخص المبادر أم لا؟ / هل من الحكمة الآن أن أقترح على زوجي حلاً ما أم أؤجله إلى أن تتغير بعض الظروف؟).

أي ما أقصده هو أن تفكري بما يناسبكما ويعود عليك بنتائج جيدة على المدى البعيد، فالحكمة برأيي هي من أهم عوامل النجاح في التعامل مع المشكلات الزوجية.

مهما حاولتُ أن أنصحك تأكدي أنني لن أعرف مايناسبكما أنتما الاثنان بقدرك أنت، فأنت الوحيدة التي هي على اطلاع كامل بمعدن كل منكما ونمط شخصيته وتفكيره وطباعه وظروفه، وستختارين مايناسبكما.

- المعطيات التي أخذتُها من رسالتك، هي:
- زوجك شخص يتمتع بمعدن جيد وأخلاق طيبة.
- المسبب الظاهري للمشكلة هو حدوث بعض المشكلات المادية.
- المسبب الحقيقي للمشكلة هو طريقة تعاملكما الخاطئة مع المشكلة، ومانتج عن ذلك من انفعال وعصبية وتجريح مشاعر، وهذا تماماً ماجعلكما لا تتحدثان مع بعض وتأخذان موقف من بعض.

من الخطوات التي أراها ستساعدك في علاج مشكلتك:
- اجلسي مع نفسك واكتبي في ورقة إيجابيات زوجك التي عرفتِها عنه ولمستِها فيه خلال هذه السنة.

- اكتبي الأخطاء التي ظهرت منك نحوه.

- اتفقي مع نفسك أن تقومي دائماً بالاعتذار العاجل فور إدراكك لارتكاب أية خطأ مع زوجك من كلام مسيء أو تجريح مشاعر.

- اكتبي برأيك ماهي المسببات التي جعلت الوضع يسرع في تأزمه (غالبا ماتكون سمات شخصية لدى أحد الطرفين أو كليهما، مثلاً عدم قدرتك على ضبط انفعالاتك)، وابدئي بنفسك بالبحث في الانترنت (من مختصين نفسيين) عن حلول عملية تباشري بها للتغيير من شخصيتك للأفضل.

- بعد تجميعك للمعلومات قومي بوضع خطة تتضمن خطوات واضحة حول كيفية حل المشكلة بينكما، مع وضع استراتيجية واضحة ومُسبقة لكيفية مواجهة مثل تلك المشاكل بينكما وتجنيب أنفسكما من تكرار حدوثها في المستقبل.

- عودتك لمنزلك، فلن تستطيعي التواصل الحقيقي معه أثناء النزاع وأنتما بعيدان عن بعض، فلن يُزيد البعد إلا جفاء وتفاقم للمشكلة.

- اطلبي منه بكل حب أن تتناقشا بودية عن الموضوع، وأكدي له أنك قد فكرت في الأمر مع نفسك، وهذا ماجعلك تعودين إلى المنزل.

- اتفقا مع بعضكما أنكما منذ لحظة زواجكما قد أصبحتما فريقا واحدا وكيانا واحدا، وما يضر أحدكما يضر الآخر، وما يُسعد أحدكما يسعد الآخر، أي عليكما أنتما الاثنان أن تفكرا عن اثنين وليس عن واحد.

- حاولي أثناء النقاش أن تُرطّبي الجو ببعض المشاعر والتفهم بين الحين والآخر، فذلك سيعينك بأن تجعلي زوجك أكثر استقبالاً وتقبلاً لما تقولين.

دعيني أنتقل إلى أسئلتك:
سؤالك الأول (كيف ممكن إقناعه أن لا يتسرع في الطلاق).
- الاعتذار منه، من الواضح لي انك أخطأت في حقه، فأول خطوة هي تليين قلبه نحوك، والاعتذار خير وسيلة لذلك، والاعتذار لا ينقص من كرامة الشخص كما يشاع اجتماعيا، بل على العكس تجدين دائماً الشخص الذي يعتذر هو أكثر ثقة بنفسه، وأيضاً أظهري له حسن نيتك في تصرفك، وأنك لم تقصدي جرح مشاعره، وأخبريه برغبتك بالتغيير من نفسك في هذه الصفة.

- تأكدي أنه لا يوجد رجل يرغب بالطلاق فوراً، غالباُ ماتكون كلمة نتجت عن غضب لحظي منه، لذا ضعي برأسك أن الرجل يريد أن يجد التفاهم وراحة البال في علاقته الزوجية وبيته، والزوجة هي أقدر شخص على أن تُشعره بذلك.

- ضعي معه خطوات عملية لحل المشكلة مستقبلاً وتجنيب أنفسكم تكرار ماحدث، وللنجاح بذلك عليكم النقاش سوياً في وقت تختارونه يكون مناسباً لكليكما من الناحية الجسدية والمزاجية.

- بيّني له أن المشكلات الزوجية قد تزعج الطرفين فعلا، إلا أن الأزواج الأذكياء هم من يستثمرونها ليتقربوا من بعضهما أكثر من خلال فهم وجهات نظر بعض وشخصيات بعض واحتواء صفات بعض في المرات القادمة، أي من يجعلون المشكلات تقربهم لا تبعدهم.

- أخبريه بما ترغبين به في الموضوع المادي، وأنك على ثقة كاملة به بأنه سينجح بتأمين ما تحتاجينه.

- حاولي أن تجعلي رضا الله هو معياركم في ميزان مشكلاتكم ووجهات نظركم المختلفة.

أما عن سؤالك الثاني:
(هل من نصائح لأكون زوجة أحسن؟)
هنا يخطر في بالي العديد والعديد من النصائح، ولكن أتمنى منك لكي أفصّل النصائح التي تناسب شخصيتك أنت، بأن تراسليني مُكرراً وتخبريني عن أكثر المشكلات التي تقعين فيها عادة مع زوجك والناس المقربين لك.

أيضاً تخبريني بأكثر السمات التي تجدين بعض الصعوبة في التكيف معها لدى زوجك، وأيضاً أكثر الصفات المشتركة الإيجابية والاحتياجات المتكاملة بينك وبين زوجك، فكل هذه الأمور ستساعدني على تقديم نصائح أكثر عملية لك.

سأشاركك أكثر نصيحتين أهتم بهما أنا شخصياً:
- أن تكوني صديقة لزوجك ولست فقط زوجته التي تشاركه المنزل والفراش، أي كوني صديقته التي تشاركه اهتماماته، تناقشي معه في الأمور التي يهتم بها، شاركيه همومه وخففي عنه، خصصا وقتاً للضحك سوياً، أشعريه أنك ترين فيه كل إيجابياته، شاركيه طموحاته وشجعيه على تحقيقها، أشعريه أنك تفهمينه حتى لو لم يتحدث، وأخيراً ركزي دائماً في حديثك معه أنكما أصدقاء درب في السرّاء والضرّاء.

- أظهري لزوجك أنك ترينه بعين كبيرة، وأن سعادته هي سعادتك وهذا ما يجعلك تهتمين به؛ لذا فكري دائما بالأشياء التي تُفرحه وحاولي مفاجأته بها دائماً.

حين تحقيقك لهاتين النقطتين، حينها أؤكد لك أنك تستطيعين التأثير عليه بالأشياء التي ترغبينها، وحينها ستجدينه يسلّمك نفسه، ولكن كل مافي الأمر، أنه لن يسلّمك نفسه إلا بعد فترة طويلة من التجريب والثقة، وهذا مايجعل السنة الأولى من الزواج من أصعب سنوات الزواج، فهي تتطلب الصبر والذكاء من الزوجة خاصة، وتذكّري أن العام الأول من الزواج يُبنى فيه إما الأساس المتين أو الهش للعلاقة الزوجية.


أخيراً: أنصحك بقراءة كتاب (التفاهم في الحياة الزوجية) للدكتور مأمون المبيض، وأنا متأكدة أنك ستجدين فيه الفائدة والمتعة.

ختاماً:
أتمنى أن تكوني استفدتِ من ردّي لك، وبانتظار مراسلتك لنا مجدداً والاطمئنان عنك في أي وقت.

بأمان الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً