الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طول قامتي يزعجني وأخي يعيرني به.. أرشدوني

السؤال

أنا فتاة عمري 14 سنة، أعاني من طول القامة، فطولي 158، وأنا نحيفة، ودائما ما يزعجني طولي، ودائما أبكي؛ لأن أخي دائما يقول لي يا عمود، وابنة خالتي أكبر مني بسنة أقصر مني بسنتمتر واحد، فيقول لي أخي أيضا: "انظري لابنة خالتك، أقصر منك يا عمود"، وهذا يزعجني، ودائما أبكي بسبب ذلك.

أرجو المساعدة صديقتكم من ليبيا تحياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شيماء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -يا عزيزتي- في الشبكة الإسلامية.

نشكرك ثقتك في إسلام ويب، ونتمنى لك التوفيق والسعادة، ونسأل الله لنا ولك الرضا والاستسلام بما قدره الله لنا في أجسادنا وهيئتنا وخلقتنا، فالله تعالى لا يخلق إلا كل جميل حسن مقبول.

عزيزتي: اعلمي أن الطول والقصر، ولون البشرة، ونوع الشعر وغيرها من الصفات الشكلية هي صفات لا دخل للإنسان فيها، فهو يخلق بتلك الصفات، ويجب أن يرضى بها ويحبها، فإن من يختار لنا تلك الصفات هو الله عز وجل، خالق الكون ومبدعه، والذي لا يختار إلا كل خير، ولا يخلق إلا كل جميل، وربما تقولين أن هنالك مخلوقات قبيحة! أقول لك: هذا غير صحيح، فالجمال والقباحة أمور نسبية، فما ترينه جميلا ربما يراه غيرك بشعا، والعكس، لذلك احمدي الله تعالى واشكريه أنك بصحة جيدة، وليس فيك إعاقة ولا عيب خلقي، وواضح أنك راضية عن شكلك ما عدا الطول الذي تشتكين منه، وهذا يجرنا لسؤال مهم، هل أنت متضايقة من طولك فعلا؟ أم ما يضايقك سخرية أخيك وليس طولك؟

عزيزتي: لو كان الأمر يتعلق بطولك، فاعلمي أن هنالك من يستحسن طول القامة، ولا يحب القصر أبدًا، وهناك من يرى القصر أفضل، وهذه وجهات نظر، وهي رحمة للعباد؛ لأنها ترضي جميع الأذواق والميول، فأذواق الناس مختلفة، ولذلك لا حرج على الإنسان ولا عيب في أن يكون طويلا أو قصيرا، والمهم هو أن يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، ويتقبل نفسه كما خلقه الله تعالى، واعلمي أن الطول عند البعض ممدوح أكثر من القصر، فلا تهتمي لكلام أحد مهما كان، وارضي واستمتعي بكل ما وهبك الله تعالى من النعم، سواء في الشكل أو الجسم أو العقل والمشاعر، وكوني سعيدة ولا تعطي مجالا للآخرين حتى لو كانوا أقرب الناس أن يعكروا مزاجك وحياتك بالانتقاد والسخرية، وتأكدي أن كلام الناس لا ينتهي، ولا يتوقفون عن التعليق وانتقاد الآخرين أبدًا، هذا طويل وهذا قصير، هذا أبيض وهذا أسود، هذا نحيف وهذا بدين، هذا جميل وهذا قبيح... وهكذا في كل أمور الحياة، وما على العاقل الواعي إلا تجاهل كل ذلك الكلام، وعدم الالتفات له، والسير في الحياة بكل إيجابية وتفاؤل ونشاط ورضا وقناعة بكل ما أنعم الله عليه، ليعيش سعيدا مسرورا راضيا، شاكرا لله ما أعطاه، شاكرا له سبحانه ما منع عنه، والخير كل الخير في الرضا.

عزيزتي: إليك بعض هذه النصائح لعلها تدعمك وتجبر خاطرك المكسور:
1- اعلمي أن الله تعالى لا ينظر إلى صورنا، ولا إلى أجسادنا، ولا إلى أموالنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فعمري قلبك بالإيمان، واسعي إلى ما يرضي الله تعالى، أكثري من الدعاء أن يرزقك الرضا والسكينة، واستعيني به سبحانه لينصرك على شيطان يريد أن يضمر قلبك بكراهية أخيك.

2- ادعي لأخيك بالهداية، وردي سخريته بحب ومودة، وذكريه بأن ما يفعله ويقوله يخالف أمر الله تعالى القائل في كتابه العزيز:"يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان"، فالله تعالى يأمرنا بعدم السخرية من أحد، وينهانا عن التنابز وهو أن يعاير إنسان أخاه الإنسان بشيء فيه، وهذه اللفتة ربما تجعل أخاك يتراجع عن تصرفه، ويستقيم في سلوكه، ويتلطف في كلامه معك.

3- لا تلتفتي إلى كلام أخيك وغيره؛ لأن الكلام لا ينتهي، وتأكدي أن الطول ليس عيبا ولا نقصا، كما أن القصر ليس عيبا ولا نقصا، فكل صفة لها محبيها ومعجبيها، وقليل من يرضى بما عنده، ولا يلتفت إلى ما عند الآخرين، وهذه مصيبة، لأنها تفسد الحياة، وتفقد الإنسان الرغبة في السعي وتحقيق الأهداف، وتسجنه في قبضة السخط، وهذا من نكران النعم.

4- كوني سعيدة بنعمة الطول، فهناك من تتمنى أن تكون طويلة، وهناك الكثير من الرجال الطوال الذين يبحثون عن فتيات طويلات ليتزوجوا منهن، فاحمدي الله تعالى على الطول، واشكريه على النعم التي وهبك إياها، وتتقلبين فيها ليلا ونهارا، وأقبلي على الحياة بثقة وأمل بالله تعالى، ولا تبالي بكلام الناس، فكلهم فيه من العيوب الكثير.

5- اهتمي بنفسك، واعملي على بناء شخصيتك الخاصة، وكوني فتاة مميزة بالعقل والأخلاق والدين والأدب، فهذه الأشياء هي التي تنفعك وتسعدك، ولا تعطي الشيطان فرصة ليعكر حياتك، ويملأها بالحزن والخصام، إنما عامليه بنقيض قصده، وتصالحي مع نفسك ومع من حولك من أسرتك وأهلك وصديقاتك، واملئي وقتك ويومك بكل ما يفيدك من عبادات وقراءة ورياضة وثقافة، وابتسمي دائما للحياة.

6- اعلمي أن كلنا صاحب نعمة، والسعيد من يتعرف على نعم الله ثم يؤدي شكرها، فينال بشكر الله المزيد من نعمه.

7- لا تلتفتي لأية مقارنة، فلكل إنسان ما يميزه عن غيره، وليس هناك شخص أفضل من الآخر، ويجب علينا أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هم أقل منا، وننظر في أمور الآخرة إلى من هم أفضل منا عبادة وصلاحا وصلاة وعملا، ونقتدي بهم، فالمعيار عند الله " إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فتميزي بقربك من الله وطاعتك له.

نسأل الله أن يسعدك ويوفقك، ويرزقك الرضا والسكينة، ويجعلك جميلة الخلق والخلقة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق احمدرامي الراوي

    جزاك الله خيرا يا شيخنا والله هذه النصيحة بعثت في نفسي الأمل والتفاؤل والله يعوضني خيرا انشاءالله ويجعل هذا العلم الذي تعلمونه الناس في ميزان حسناتكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً