الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من فشل في العلاقات وعدم الحب من الجميع، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعاني بشدة من فشل في العلاقات ليس هذا فقط، بل كلما بدأت علاقة مع أي شخص يزداد عدم الحب تجاهي، وعدم الرغبة في تواجدي، ولا الحديث معي، أريد أن أعلمكم فقط أن هذه ليست توهمات، وإنما هي واقع مرير أعيش به منذ أن كنت صغيرا وليست بدايته الآن.

دائما ما كنت وحيدا، فكنت أبكي دائما، وأدعو الله وأتمنى أن يكون لدي أصدقاء، وأن يكون لدي أحدا أسير معه، وأقضي وقتي معه وأشاركه الحديث، لقد أصبح واقعا مريرا معي، وأصبحت حالة نفسية شديدة، فأصبحت أبكي في كل وقت وكل ليلة، وأنا أجلس في غرفتي ولا أجد من يحدثني أو يتصل علي ليخبرني فقط كيف حالك.

نتج عن هذا:
- عدم الثقة الشديدة في نفسي وفي أي عمل أقوم به.
- الخوف من التواجد مع الآخرين.
- الخوف من الحديث في تواجد الآخرين.
- الغيرة الشديدة والحقد علي أي شخص محبوب ممن حوله.
- أصبحت أنهك عند الاختلاط بالناس.
- أصبحت أستجيب بمشاعر مبالغ فيها ضد أي موقف سواء بالحزن، أو الفرح، أو الغضب، أو التحمس، اشتد الأمر علي فكل ليلة أبكي بكاء شديدا، وأنا أردد في نفسي (أنت مكروه، أنت مريض نفسي، عش وحيدا، أنت لا يحبك الناس فكيف ستتزوج؟ وعندما تأتي بالأطفال لن يحبوك أيضا، إذن عش وحيدا) وأظل أقول ذلك وأنا منهك في البكاء.

أرجوكم أن تنصحوني وتخبروني عن الطريق الصحيح للتخلص من تلك المعاناة التي تمنعني من الحياة، أخبروني عن أي شيء يمكن أن يساعدني، وكيف أحسن من نفسي لأستطيع بناء العلاقات وأكتسب حب الناس؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولك التوفيق والسداد، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعًا حُبه سبحانه وتعالى، فإن الله إذا أحبَّ عبده أقبل بقلوب الخلق عليه، ونسأله تبارك وتعالى أن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

أرجو أن تشغل نفسك بطاعة الله، وتُقدِّم ما يُحبُّه الله تبارك وتعالى، واعلم أن الإنسان إذا أحبَّ الله وآمن به وعمل صالحًا فإن ربّنا العظيم يُنادي جبريل في السماء (إن الله يُحبُّ فلانًا فأحبوه) فيُحبُّه أهل السماء، ثم يُلقى له القبول في الأرض، وردِّد معي قول الله: {إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا} يعني محبَّة في قلوب الناس.

فتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى، واجعل همَّك فعل ما يُرضي الله، فإن من طلب رضا الله وإنْ سخط الناس رضيَ الله عنه وأرضى عنه الناس، ومَن طلب رضا الناس حتى ولو في سخط الله فإن الله يُوشك أن يسخط عليه ويُسخطُ عليه الناس.

عليه نوصيك أولاً بكثرة الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.
الأمر الثاني: الحرص على فعل الأمور التي لها علاقة بتحسين العلاقة مع الناس، شارك في أفراحهم، في أحزانهم، تدعو الله لهم بالخير، تُعاون المحتاج، تُؤدي ما عليك تجاههم.

الأمر الثالث: أيضًا لابد أن تُحسن انتقاء مَن تُجاور من الصالحين والفضلاء من الزملاء.

الأمر الرابع: ينبغي أن تُدرك أن كل إنسانٍ أعطاه الله نعم وقد يفقد غيرها، لكنّ نعم الله مُقسّمة، والسعيد الذي يتعرَّفُ على نعم الله عليه ليؤدّي شُكرها.

خامسًا: تجنب الحقد على أي إنسان، واشغل نفسك دائمًا بما أنت فيه من النعم، ولا تنظر إلى ما عند الناس، فإن الإنسان إذا نظر إلى ما عند الناس ينسى ما عنده، وإذا نظرت إلى ما عند الناس أتعبتك – يا عبد الله – مَناظرٌ، رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر.

اجتهد دائمًا في دارستك، قبل ذلك في ذكرك لله وطاعته، وانتقي مَن تخالط من الأخيار ومن الصالحين. التزم في مشاعرك، ولا تحاول دائمًا أن تُقارن نفسك بالآخرين، ولكن توجّه إلى رب العالمين واسأله من الخير الذي عنده، واعلم أن كثيرًا من الناس عنده جراح لكنّه يُخفي جراحه، وإذا خلوت في الليل وجاءك الشيطان بهذه الأحزان فاستبدل هذا البكاء باللجوء إلى خالق الأرض والسماء، واشغل نفسك بذكر الله وطاعته، والإقبال عليه، والتوجُّه إليه، ونحن في ليالي مباركة فيها ليلة خيرٌ من ألف شهر، فاجتهد فيما يُقرِّبُك إلى الله تبارك وتعالى.

اجتهد في الدعاء واللجوء إلى الله، واسأله أن يُحبِّبك إلى خلقه، ولكن أن يُحبِّب إليك الصالحين منهم. احرص على أن تكون مُحبًّا لله ومُحبًّا لرسوله، وترجم هذا الحب بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستبشر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع مَن أحب)، قال أنس: (فأنا أحب رسول الله وأبو بكر وعمر، وأرجو أن أُحشر معهم).

كذلك أيضًا أرجو أن تسلك السبل التي أشرنا إليها من مساعدة الناس والوقوف مع المحتاجين والابتسامة في وجوههم، وبذل الندى، وكفّ الأذى، والصبر من الناس على الجفا، واعلم أن المهم هو أن تكون العلاقة بينك وبين الله عامرة، فليت الذي بيني وبينك عامرٌ وليت الذي بيني وبين العالمين خرابُ، وكلّ الذي فوق التراب تُراب، والطريق إلى محبة الله مفتوح لكل الناس.

أيضًا اجتهد في أن تتواصل مع أسرتك، لا أدري مَن عندك، ولكن الوالدين والإخوة والأخوات، الخالات، الأخوال، الأعمام، العمّات، هؤلاء ينبغي أن تقترب منهم، ونسأل الله أن يُسعدك بطاعته، وأن يُبدِّل ما أنت فيه، وأبشر بالخير، ونحن سعداء بهذه الاستشارة، وعليك أن تشكر الذي أوصلك لهذا المستوى العلمي الذي تدرس فيه، وهذه القدرة على كتابة الاستشارة بصورة مرتبة، هذه أيضًا من نعم الله، ونسأل الله أن يزيدك من فضله.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً