الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الاضطراب النفسي والعصبي، أفيدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتمنى الإجابة على بعض الأسئلة لأنني طالب طب:

1- ما هو المفرق بين المرض العقلي منذ الطفولة الذي يسمى (المجنون)، والذي يكون فاقدا لعقله، وبين الشخص الذي أحيانا يصاب بشكل مفاجئ مثل مرض الفصام، ولماذا النوع الأول لا يمكن علاجه ومكانه المصحة، والثاني يمكن علاجه؟

2- هناك بعض الرجال أو النساء لا يمتلك مقومات الإنسان الذي يملك قواه العقلية والفكرية والثقافية، وإنما يكون مهزوز الشخصية، أو لا يعرف أن يتكلم ولا يستطيع أن يكون أسرة، ولا يستطيع أن يفهم، وغالبا يكون محل سخرية من قبل البعض، على الرغم من كونه واعيا، أو أحيانا يسلم ويرد ويتكلم لكن ليس بالمستوى المطلوب (ماذا يطلق على هذا النوع من الناس)؟

3- هل هناك وسواس أو فصام يحدث بمرحلة جينية من العمر، ثم يختفي تماما بدون علاج نتيجة الجينات الوراثية.

4- لماذا يكون مرض ثنائي القطب مرضا عقليا على الرغم من أن المريض يكون واعيا لمرضه، ولا يفقد ممتلكاته الخاصة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عباس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك العافية والشفاء، وأشكرك على مشاركاتك الإيجابية لإثراء موقع الشبكة الإسلامية.

لا يوجد حقيقة مرض عقلي منذ الطفولة، المرض العقلي المكتسب، لكن أعتقد أنك تقصد التخلُّف العقلي كما يُسمَّى سابقًا، والآن نحب أن نسمّيه بصعوبات التعلُّم، فالإنسان قد يُولد وهو قاصر العقل، هذا قد يكون لأمراض جينية، وقد يكون لانقطاع الأكسجين عند الولادة، أو لإصابات فيروسية أو باكتيرية، فالأسباب كثيرة قد تؤدي إلى هذا النوع من الاضطراب، لكن لا يُوجد مرض جنون حقيقي ذُهاني يُولد به الإنسان.

والأمراض الفصامية لا تكون مفاجئة أبدًا، قد تكون لها مُؤشرات وعلامات أوّلية، لكن لا يعرفها غير المختص، وهنالك حالات قليلة جدًّا لبعض الأمراض التي تشبه الفصام -أو ما يُسمَّى بالذُّهان الحادّ- هذه قد تكون مفاجئة بعض الشيء، مثلاً عند النساء بعد الولادة، قد يحدث نوع من الذُّهان، أو ما نسمّيه بذهان ما بعد الولادة، هذا قد يحدث في يومين أو ثلاثة، ويتطور الأمر جدًّا، وتضطرب المريضة لدرجة كبيرة، وهذا كثيرًا ما نُشاهده، أيضًا هنالك حالات ذهانية حادّة بسيطة وقد لا تستغرق وقتًا طويلاً، كما أن الأمراض الذهانية المرتبطة بتعاطي المخدرات غالبًا ما تكون أيضًا مفاجئة بعض الشيء.

بالنسبة للنوع الأول -أي: التخلُّف العقلي-: هذا يمكن تأهيل المُصاب وتدريبه على أشياء كثيرة، والعلاج الدوائي يُستعمل في نطاق ضيق جدًّا، أمَّا الثاني فيمكن علاجه دوائيًا وتأهيليًّا ونفسيًّا، ودائمًا التدخُّل العلاجي المبكّر يأتي بنتائج علاجية رائعة جدًّا.

بالنسبة لسؤالك الثاني: طبعًا الناس تختلف وتتباين في البناء النفسي لشخصياتها، في سمات الشخصية، أوصاف الشخصية، في المقدرات العقلية، فيما يتعلَّقُ بالنضوج الوجداني والنضوج الاجتماعي. هذه كلها أشياء مكتسبة، فالناس تتفاوت حقيقة، لكن نستطيع أن نقول تقريبًا: خمسة وتسعين بالمائة من الناس (95%) يأتون في النطاق الذي يُعتبر طبيعيًّا، واثنين ونصف بالمائة (2,5%) قد تكون حالتهم بالفعل غير طبيعية وواضحة للعيان، واثنين ونصف بالمائة الأخرى (2,5%) أيضًا لديهم بعض السمات والصفات غير الطبيعية، لكن قد لا يكتشفهم إلَّا المختص.

فإذًا هذا يُطلق عليه إمَّا (اضطراب في الشخصية) أو (محدودية في الذكاء) كنوع مثلاً من التخلُّف العقلي البسيط، ولا يُوجد مرض ذهاني حقيقةً يجعل الإنسان مهزوز الشخصية، الأمراض الذهانية أعراضها مختلفة تمامًا عن ذلك.

سؤالك الثالث: هل هناك وسواس أو فصام يحدث في مرحلة جينية من العمر ثم يختفي؟

التأثير الجيني هو تأثير يُؤدّي إلى القابلية للإصابة بالمرض النفسي، كمرض الفصام أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، أو الوسواس مثلاً، وفي هذه الحالة نعتبر الجينات هي العامل المُهيأ، والعامل المُهيأ يحتاج إلى عوامل بيئية ليظهر المرض.

فإذًا التأثير الجيني يُهيأ للمرض، يجعل الإنسان أكثر استعدادًا، وحين يأتي سبب بيئي يحدث المرض، والأسباب البيئية كثيرة، كالضغوطات النفسية مثلاً، الحوادث التي تصيب الدماغ، مثلاً: ما بعد الولادة عند النساء، تعاطي المخدرات عند البعض، وهكذا.

إذًا السبب الجيني أو الوراثي، إذا اجتمع معه السبب البيئي المتعلق بالأحداث الحياتية هنا قد يظهر المرض.

والأمراض ذات التكوين الوراثي أو الجيني بالطبع إذا حدثت لا يمكن أن تختفي بدون علاج، والعلاج يمكن أن يكون دوائيًا، لكن ليس من الضروري الاعتماد فقط على الدواء، فالعلاجات البيئية والعلاجات المجتمعية والعلاج على نطاق الاسرة، بمعنى أن يستقر الإنسان في محيطه البيئي، ولا يكون عُرضةً لضغوطٍ حياتية أو مسبِّبات أخرى، هذه كلها عوامل ضرورية جدًّا لأن يختفي المرض النفسي دون أن يكون هنالك علاجًا دوائيًا.

سؤالك الأخير: لماذا يكون مرض ثنائي القطب مرضًا عقليًّا على الرغم من أن المريض يكون واعيًا لمرضه ولا يفتقد ممتلكاته الخاصة؟

الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية يتكون من نوبات انشراح مزاجي، ونوبات انخفاض مزاجي، وهي تتفاوت في حدتها وشدتها، وطريقة حدوثها، فعند ارتفاع المزاج قد يصل الإنسان لمرحلة هوس، وفي أثناء الهوس يحدث هنالك اضطراب في أفكار الإنسان، وربما تحدث له معتقدات أو أفكارٍ خاطئة، أو ما يُسمّى بالضلالات المرضية، كأن يرى نفسه مثلاً شخصًا كبيرًا أو ضخمًا أو مهمًّا، هذا طبعًا نوع من الضلالات الهوسية، وهذه تعتبر مرضًا عقليًا.

أمَّا في حالة الاكتئاب إذا كان المريض مُصابًا بالقطب الاكتئابي، وحدث له أيضًا أفكارًا يُقلِّل من قيمة ذاته فيها، كأن يرى أنه لا داعي لوجوده، أنه سبب كل مشاكل العالم -كان لديّ مريض لديه مثل هذا الاعتقاد- فهذا يُعتبر اضطرابًا ذهانيًّا. إذًا وجود الاضطراب الذهاني إذا كان ذلك بسبب الانشراح في مزاج الإنسان أو في انخفاضه؛ هنا لهذا السبب نعتبر الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية مرضًا عقليًّا.

أتمنى أن أكون قد أوضحتُ لك ما هو مطلوب، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً